٩. تخصيص العامّ بالمفهوم

المفهوم ينقسم ـ كما تقدّم (١) ـ إلى الموافق والمخالف ، فإذا ورد عامّ ومفهوم أخصّ مطلقا ، فلا كلام في تخصيص العامّ بالمفهوم اذا كان مفهوما موافقا ، مثاله قوله (تعالى) : ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (٢) فإنّه عامّ يشمل كلّ عقد يقع باللغة العربيّة وغيرها ، فإذا ورد دليل على اعتبار أن يكون العقد بصيغة الماضي فقد قيل (٣) : إنّه يدلّ بالأولويّة على اعتبار العربيّة في العقد ، لأنّه لمّا دلّ على عدم صحّة العقد بالمضارع من العربيّة فلئن لم يصحّ من لغة أخرى فمن طريق أولى. ولا شكّ أنّ مثل هذا المفهوم إن ثبت فإنّه يخصّص العامّ المتقدّم ؛ لأنّه كالنصّ ، أو أظهر من عموم العامّ فيقدّم عليه.

وأمّا : التخصيص بالمفهوم المخالف فمثاله قوله (تعالى) : ﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٤) الدالّ بعمومه على عدم اعتبار كلّ ظنّ حتى الظنّ الحاصل من خبر العادل. وقد وردت آية أخرى هي : ﴿إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... (٥) دالّة بمفهوم الشرط على جواز الأخذ بخبر غير الفاسق بغير تبيّن. فهل يجوز تخصيص ذلك العامّ بهذا المفهوم المخالف؟ قد اختلفوا على أقوال :

فقد قيل بتقديم العامّ ولا يجوز تخصيصه بهذا المفهوم. (٦)

وقيل بتقديم المفهوم. (٧)

__________________

(١) راجع الصفحة : ١٢٢ ـ ١٢٣.

(٢) المائدة (٥) : الآية ١.

(٣) كما قال به الشيخ الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ٢١٠.

(٤) النجم (٥٣) : الآية ٢٨.

(٥) الحجرات (٤٩) : الآية ٦.

(٦) وهذا القول منسوب إلى أبي العبّاس بن سريج. راجع إرشاد الفحول : ١٦٠ ، واللمع ٣٤.

(٧) قال الآمديّ : «لا نعرف خلافا بين القائلين بالعموم ، المفهوم أنّه يجوز تخصيص العموم بالمفهوم» ، الإحكام ٢ : ٤٧٨.

وذهب إليه كثير من الإماميّة ، منهم صاحبا المعالم والفصول ، راجع معالم الدين : ١٥٨ ، والفصول الغرويّة : ٢١٢.

۶۸۸۱