تحريم الطيّبات عصيانهم ، لا أوصاف تلك الأشياء.

بل من الاحتمالات عند هذا القائس ـ الذي لا يرى تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد ـ أنّ الحكم لا ملاك ولا علّة له ، فكيف يمكن أن يدّعي حصر العلل فيما احتمله ، وقد لا تكون له علّة؟!

وعلى كلّ حال ، فلا يمكن أن يستنتج من مثل السبر والتقسيم هنا أكثر من الاحتمال. وإذا تنزّلنا فأكثر ما يحصل منه الظنّ. فرجع الأمر بالأخير إلى الظنّ ، و ﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً. (١)

وفي الحقيقة أنّ القائلين بالقياس لا يدّعون إفادته العلم ، بل أقصى ما يتوقّعونه إفادته للظنّ ، غير أنّهم يرون أنّ مثل هذا الظنّ حجّة. وفي البحث الآتي نبحث عن أدلّة حجّيته.

ب. الدليل على حجّيّة القياس الظنّيّ

بعد أن ثبت أنّ القياس في حدّ ذاته لا يفيد العلم ، بقي علينا أن نبحث عن الأدلّة على حجّيّة الظنّ الحاصل منه ؛ ليكون من الظنون الخاصّة المستثناة من عموم الآيات الناهية عن اتّباع الظنّ ، كما صنعنا في خبر الواحد ، والظواهر ، فنقول :

أمّا نحن ـ الإماميّة ـ ففي غنى عن هذا البحث ؛ لأنّه ثبت لدينا على سبيل القطع من طريق آل البيت عليهم‌السلام عدم اعتبار هذا الظنّ الحاصل من القياس ، فقد تواتر عنهم النهي عن الأخذ بالقياس ، وأنّ دين الله لا يصاب بالعقول ، فلا الأحكام في أنفسها تصيبها العقول ، ولا ملاكاتها وعللها.

على أنّه يكفينا في إبطال القياس أن نبطل ما تمسّكوا به لإثبات حجّيّته من الأدلّة ، لنرجع إلى عمومات النهي عن اتّباع الظنّ وما وراء العلم.

أمّا : غيرنا ـ من أهل السنّة الذين ذهبوا إلى حجّيّته ـ فقد تمسّكوا بالأدلّة الأربعة : الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والعقل. ولا بأس أن نشير إلى نماذج من استدلالاتهم ؛ لنرى أنّ ما تمسّكوا به لا يصلح لإثبات مقصودهم ، فنقول :

__________________

(١) النجم (٥٣) الآية : ٢٨ ؛ يونس (١٠) الآية : ٣٦.

۶۸۸۱