وظيفة عامّة لجميع المكلّفين ، وفي جميع الأزمان حتى زمن الغيبة ولو كان من باب التقيّة ، ولا شكّ أنّ الأزمان والأشخاص تتفاوت وتختلف من جهة شدّة التقيّة ، أو لزومها.
٢. الترجيح بالصفات :
إنّ الروايات التي ذكرت الترجيح بالصفات تنحصر في مقبولة ابن حنظلة ، ومرفوعة زرارة ، المشار إليهما سابقا. (١) والمرفوعة ـ كما قلنا ـ ضعيفة جدّا ؛ لأنّها مرفوعة ، ومرسلة ، ولم يروها إلاّ صاحب «عوالي اللآلئ» (٢). وقد طعن صاحب «الحدائق» في التأليف والمؤلّف ، إذ قال : «فإنّا لم نقف عليها في غير كتاب «عوالي اللآلئ» مع ما هي عليه من الرفع والإرسال ، وما عليه الكتاب ، من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الأخبار والإهمال ، وخلط غثّها (٣) بسمينها وصحيحها بسقيمها» (٤).
إذن ، الكلام فيها فضول ، فالعمدة في الباب المقبولة التي قبلها العلماء ؛ لأنّ راويها صفوان بن يحيى الذي هو من أصحاب الإجماع ـ أي الذين أجمع الصحابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ـ ، كما رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم (٥). وإليك نصّها بعد حذف مقدّمتها :
قلت : فإن كان كلّ رجل اختار رجلا من أصحابنا ، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، واختلفا فيما حكما ، وكلاهما اختلفا (٦) في حديثكم؟
قال : «الحكم ما حكم به أعدلهما ، وأفقههما ، وأصدقهما في الحديث ، وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر».
قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا ، لا يفضل واحد منهما على الآخر؟
قال : «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي به حكما ، المجمع عليه من
__________________
(١) راجع الصفحتين : ٥٧٣ و ٥٧٥.
(٢) عوالي اللآلئ ٤ : ١٣٣ ح ٢٢٩.
(٣) أي : رديئها.
(٤) الحدائق الناضرة ١ : ٩٩.
(٥) الكافي ١ : ٦٧ ؛ الفقيه ٣ : ٩ ـ ١٠ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧.
(٦) استعمال لا تساعده اللغة ؛ فإنّ خبر (كلا) و (كلتا) دائما مفرد.