المسألة الخامسة : دلالة النهي على الفساد

تحرير محلّ النزاع

هذه المسألة من أمّهات المسائل الأصوليّة التي بحثت من القديم. ولأجل تحرير محلّ النزاع فيها وتوضيحه ، علينا أن نشرح الألفاظ الواردة في عنوانها ، وهي كلمة الدلالة ، النهي ، الفساد.

ولا بدّ من ذكر المراد من الشيء المنهيّ عنه أيضا ؛ لأنّه مدلول عليه بكلمة «النهي» ؛ إذ النهي لا بدّ له من متعلّق. إذن ينبغي البحث عن أربعة أمور :

١. الدلالة ، فإنّ ظاهر اللفظة يعطي أنّ المراد منها الدلالة اللفظيّة ، ولعلّه لأجل هذا الظهور البدويّ أدرج بعضهم هذه المسألة في مباحث الألفاظ (١) ، ولكنّ المعروف أنّ مرادهم منها ما يؤدّي إليه لفظ «الاقتضاء» ، حسبما يفهم من بحثهم المسألة وجملة من الأقوال فيها ، لا سيّما المتأخّرون من الأصوليّين.

وعليه ، فيكون المراد من الدلالة خصوص الدلالة العقليّة (٢) ؛ وحينئذ يكون المقصود من النزاع «البحث عن اقتضاء طبيعة النهي عن الشيء فساد المنهيّ عنه عقلا» ، ومن هنا يعلم أنّه لا يشترط في النهي أن يكون مستفادا من دليل لفظيّ. وفي الحقيقة يكون النزاع هنا عن ثبوت الملازمة العقليّة بين النهي عن الشيء وفساده ، أو عن الممانعة والمنافرة عقلا بين النهي عن الشيء وصحّته ، ولا فرق بين التعبيرين.

ولأجل هذا أدرجنا نحن هذه المسألة في قسم الملازمات العقليّة.

نعم ، قد يدّعي بعضهم (٣) أنّ هذه الملازمة ـ على تقدير ثبوتها ـ من نوع الملازمات البيّنة بالمعنى الأخصّ. وحينئذ يكون اللفظ الدالّ بالمطابقة على النهي دالاّ بالدلالة الالتزاميّة

__________________

(١) وهو بعيد ؛ لأنّهم أهل الدقّة والنظر. بل إنّهم لمّا لم يفرّدوا بابا للبحث عن الملازمات العقليّة فأدرجوها في مباحث الألفاظ.

(٢) وذهب المحقّق العراقيّ إلى أنّ المسألة من المسائل اللفظيّة لا من المسائل العقليّة. نهاية الأفكار ٢ : ٤٥٢.

(٣) كالمحقق المشكينيّ في حاشية الكفاية. راجع كفاية الأصول «المحشّى» ١ : ٢٨٣.

۶۸۸۱