بتلك اللغة.

وقيل : (١) ـ وهو الأقرب إلى الصواب ـ إنّ الطبيعة البشريّة حسب القوّة المودعة من الله (تعالى) فيها تقتضي إفادة مقاصد الإنسان بالألفاظ ، فيخترع من عند نفسه لفظا مخصوصا عند إرادة معنى مخصوص ـ كما هو المشاهد من الصبيان عند أوّل أمرهم ـ فيتفاهم مع الآخرين الذين يتّصلون به ، والآخرون كذلك يخترعون من أنفسهم ألفاظا لمقاصدهم ، وتتألّف على مرور الزمن من مجموع ذلك طائفة صغيرة من الألفاظ ، حتى تكون لغة خاصّة ، لها قواعدها يتفاهم بها قوم من البشر. وهذه اللغة قد تتشعّب بين أقوام متباعدة ، وتتطوّر عند كلّ قوم بما يحدث فيها من التغيير والزيادة ، حتى قد تنبثق (٢) منها لغات أخرى ، فيصبح لكلّ جماعة لغتهم الخاصّة.

وعليه ، تكون حقيقة الوضع هو جعل اللفظ بإزاء المعنى ، وتخصيصه به. وممّا يدلّ على اختيار القول الثاني في الواضع أنّه لو كان الواضع شخصا واحدا لنقل ذلك في تأريخ اللغات ، ولعرف عند كلّ لغة واضعها.

٣. الوضع تعيينىّ وتعيّنىّ

ثمّ إنّ دلالة الألفاظ على معانيها الأصل فيها أن تكون ناشئة من الجعل والتخصيص ، ويسمّى الوضع حينئذ : «تعيينيّا» ، وقد تنشأ الدلالة من اختصاص اللفظ بالمعنى الحاصل هذا الاختصاص من الكثرة في الاستعمال على درجة من الكثرة أنّه تألفه الأذهان على وجه إذا سمع اللفظ ينتقل السامع منه إلى المعنى ، ويسمّى الوضع حينئذ : «تعيّنيّا» (٣).

__________________

ـ وإرشاد الفحول : ١٢ ، ومنتهى الوصول والأمل : ٣٨.

واختاره المحقّق النائينيّ وقال بأنّ الواضع هو الله (تعالى) بتوسيط الوحي إلى أنبيائه والإلهام إلى غيرها من البشر. راجع فوائد الأصول ١ : ٣٠.

(١) والقائل هو المحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ١ : ٢٤. واختاره السيّد المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ١ : ٣٦ و ٣٧ ، والسيّد الإمام الخمينيّ في تنقيح الأصول ١ : ٢٩.

(٢) تنبثق أي تفيض وتصدر.

(٣) ولا يخفى أنّ هذا التقسيم لا يستقيم على مبنى المصنّف رحمه‌الله من أنّ الوضع جعل اللفظ بإزاء المعنى ـ

۶۸۸۱