وفيه : أنّ الآية لا تدلّ على هذه المساواة بين النظيرين ، كنظيرين في أيّة جهة كانت ، كما أنّها ليست استدلالا بالقياس ، وإنّما جاءت لرفع استغراب المنكرين للبعث ؛ إذ يتخيّلون العجز عن إحياء الرميم ، فأرادت الآية أن تثبت الملازمة بين القدرة على إنشاء العظام ، وإيجادها لأوّل مرّة ، بلا سابق وجود ، وبين القدرة على إحيائها من جديد ، بل القدرة على الثاني أولى ، وإذا ثبتت الملازمة والمفروض أنّ الملزوم ـ وهو القدرة على إنشائها أوّل مرّة ـ موجود مسلّم ، فلا بدّ أن يثبت اللازم ـ وهو القدرة على إحيائها ، وهي رميم ـ. وأين هذا من القياس؟
ولو صحّ أن يراد من الآية القياس فهو نوع من قياس الأولويّة المقطوعة ، وأين هذا من قياس المساواة المطلوب إثبات حجّيّته ، وهو الذي يبتني على ظنّ المساواة في العلّة؟
وقد استدلّوا بآيات أخر ، مثل قوله (تعالى) : ﴿فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ (١) ، ﴿يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ﴾ (٢). والتشبّث بمثل هذه الآيات لا يعدو أن يكون من باب تشبّث الغريق بالطحلب (٣) ، كما يقولون.
الدليل من السنّة
رووا عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أحاديث لتصحيح القياس ، لا تنهض حجّة لهم. ولا بأس أن نذكر بعضها كنموذج عنها ، فنقول :
__________________
(١) المائدة (٥) الآية : ٩٥.
وهذا ما استدلّ به الشافعي على ما في إرشاد الفحول. وتقريره : أنّ الله (تعالى) أوجب المثل ولم يقل أيّ مثل ، فوكل ذلك إلى اجتهادنا.
وأجاب عنه الشوكاني في إرشاد الفحول : ٢٠١.
(٢) النحل (١٦) الآية : ٩٠.
وهذا الاستدلال نسبه الشوكاني إلى ابن تيميّة ؛ وتقريره : أنّ العدل هو التسوية ، والقياس هو التسوية بين المثلين في الحكم ، فتتناوله الآية. راجع إرشاد الفحول : ٢٠٢.
(٣) الطحلب والطحلب والطحلب : خضرة تعلو الماء المزمن. وقيل : هو الذي يكون على الماء كأنّه نسج العنكبوت ، لسان العرب ١ : ٥٥٦ ـ ٥٥٧.
واستدلّوا أيضا بآيات أخر ، ذكرها ابن حزم ، وأجاب عنها. راجع ملخّص إبطال القياس : ٢٣ ـ ٢٤ و ٢٩ ـ ٣٣.