بانقطاع الكلام وانتهائه ، فإن لم يلحقه ما يخصّصه استقرّه ظهوره الابتدائيّ وانقعد على العموم ، وإن لحقته قرينة التخصيص قبل الانقطاع تبدّل ظهوره الأوّل ، وانقعد له ظهور آخر حسب دلالة المخصّص المتّصل.

اذن فالعامّ المخصّص بالمتّصل لا يستقرّ ولا ينعقد له ظهور في العموم ، بخلاف المخصّص بالمنفصل ؛ لأنّ الكلام بحسب الفرض قد انقطع بدون ورود ما يصلح للقرينة على التخصيص ، فيستقرّ ظهوره الابتدائيّ في العموم ، غير أنّه إذا ورد المخصّص المنفصل يزاحم ظهور العامّ ، فيقدّم عليه من باب أنّه قرينة عليه ، كاشفة عن المراد الجديّ.

٣. هل استعمال العامّ في المخصّص مجاز؟

قلنا : إنّ المخصّص بقسميه قرينة على إرادة ما عدا الخاصّ من لفظ العموم ، فيكون المراد من العامّ بعض ما يشمله ظاهره. فوقع الكلام في أنّ هذا الاستعمال هل هو على نحو المجاز أو الحقيقة؟ واختلف العلماء فيه على أقوال كثيرة :

منها : أنّه مجاز مطلقا. (١)

ومنها : أنّه حقيقة مطلقا (٢).

ومنها : التفصيل بين المخصّص بالمتّصل وبين المخصّص بالمنفصل ، فإن كان التخصيص بالأوّل فهو حقيقة دون ما كان بالثانى (٣).

__________________

(١) هذا القول مختار أبي علي وأبي هاشم وأتباعهما من المعتزلة. وذهب إليه الغزاليّ والآمدي وابن الحاجب والبيضاويّ من العامّة ، والشيخ الطوسيّ والمحقّق الحلّي وصاحب القوانين وصاحب المعالم من الإماميّة. راجع المستصفى ٢ : ٥٤ ؛ الإحكام (للآمدي) ٢ : ٣٣٢ ؛ منتهى الوصول والأمل : ١٠٦ ؛ نهاية السئول ٢ : ٣٩٤ ؛ العدّة ١ : ٣٠٧ ؛ معارج الأصول : ٩٧ ؛ قوانين الأصول ١ : ٢٦١ ؛ معالم الدين : ١٢٨.

(٢) ذهب إليه أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة من العامّة ـ على ما في العدّة ١ : ٣٠٦ ـ ، والحنابلة منهم على ما في الإحكام (للآمدي) ٢ : ٣٣٠. واختاره الشيخ المفيد وكثير من المتأخّرين كالمحقّق الخراسانيّ والمحقّق النائينيّ والشيخ الحائريّ. راجع التذكرة (المفيد) : ٣٥ ؛ كفاية الأصول : ٢٥٥ ؛ فوائد الأصول ٢ : ٥١٦ ؛ درر الفوائد ١ : ١٨٠.

(٣) ذهب إليه أبو عبد الله وأبو الحسين البصريّ والفخر الرازيّ. راجع المعتمد ١ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، والمحصول في علم أصول الفقه ١ : ٤٠٠ ـ ٤٠١. ونسب إلى القاضي أبي بكر الباقلاني في الإحكام (للآمدي) ٢ : ٣٣١.

۶۸۸۱