ومن موارد استعمال لفظ «المطلق» نستطيع أن نأخذ صورة تقريبيّة لمعناه. فمثلا عند ما نعرف العلم الشخصيّ والمعرّف بلام العهد لا يسمّيان مطلقين باعتبار معناهما ـ لأنّه لا شيوع ولا إرسال في شخص معيّن ـ لا ينبغي أن نظنّ أنّه لا يجوز أن يسمّى العلم الشخصيّ «مطلقا» ؛ فإنّه إذا قال الآمر : «أكرم محمّدا» وعرفنا أنّ لمحمّد أحوالا مختلفة ولم يقيّد الحكم بحال من الأحوال ، نستطيع أن نعرف أنّ لفظ «محمّد» هنا أو هذا الكلام بمجموعه يصحّ أن نصفه بالإطلاق بلحاظ الأحوال ، وإن لم يكن له شيوع باعتبار معناه الموضوع له. إذن للأعلام الشخصيّة والمعرّف بلام العهد إطلاق ، فلا يختصّ المطلق بما له معنى شائع في جنسه كاسم الجنس ونحوه. وكذلك عند ما نعرف أنّ العامّ لا يسمّى «مطلقا» ، فلا ينبغي أنّ نظنّ أنّه لا يجوز أن يسمّى «مطلقا» أبدا ؛ لأنّا نعرف أنّ ذلك إنّما هو بالنسبة إلى أفراده ، أمّا بالنسبة إلى أحوال أفراده غير المفردة فإنّه لا مضايقة في أن نسمّيه «مطلقا». إذن لا مانع من شمول تعريف المطلق المتقدّم ـ وهو ما دلّ على معنى شائع في جنسه ـ للعامّ باعتبار أحواله ، لا باعتبار أفراده.
وعلى هذا فمعنى المطلق هو شيوع اللفظ وسعته باعتبار ما له من المعنى وأحواله ؛ ولكن لا على أن يكون ذلك الشيوع مستعملا فيه اللفظ ، كالشيوع المستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي ، وإلاّ كان الكلام عامّا لا مطلقا.
المسألة الثانية : الإطلاق والتقييد متلازمان
أشرنا إلى أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد من باب تقابل الملكة وعدمها ؛ لأنّ الإطلاق هو عدم التقييد فيما من شأنه أن يقيّد ؛ فيتبع الإطلاق التقييد في الإمكان ، أي إنّه إذا أمكن التقييد في الكلام وفي لسان الدليل ، أمكن الإطلاق ، ولو امتنع ، استحال الإطلاق ، بمعنى أنّه لا يمكن فرض استكشاف الإطلاق وإرادته من كلام المتكلّم في مورد لا يصحّ التقييد ، بل يكون مثل هذا الكلام لا مطلقا ولا مقيّدا ، وإن كان في الواقع أنّ المتكلّم لا بدّ أن يريد أحدهما. وقد تقدّم مثاله في بحث التّوصليّ والتعبّديّ (١) ؛ إذ قلنا : إنّ امتناع تقييد الأمر
__________________
(١) تقدّم في الصفحة : ٨٦.