خاتمة : في دلالة الاقتضاء والتنبيه والإشارة

تمهيد

يجري كثيرا على لسان الفقهاء والأصوليّين ذكر دلالة الاقتضاء والتنبيه والإشارة ، ولم تشرح هذه الدلالات في أكثر الكتب الأصوليّة المتعارفة. ولذلك رأينا أن نبحث عنها بشيء من التفصيل لفائدة المبتدئين. والبحث عنها يقع من جهتين : الأولى : في مواقع هذه الدلالات الثلاث وأنّها من أيّ أقسام الدلالات. والثانية : في حجّيتها.

الجهة الأولى : مواقع الدلالات الثلاث :

قد تقدّم أنّ المفهوم هو مدلول الجملة التركيبيّة اللازمة للمنطوق لزوما بيّنا بالمعنى الأخصّ. ويقابله المنطوق الذي هو مدلول ذات اللفظ بالدلالة المطابقيّة.

ولكن يبقى هناك من المدلولات ما لا يدخل في المفهوم ولا في المنطوق اصطلاحا ، كما إذا دلّ الكلام بالدلالة الالتزاميّة (١) على لفظ مفرد أو معنى مفرد ليس مذكورا في المنطوق صريحا ، أو إذا دلّ الكلام على مفاد جملة لازمة للمنطوق ، إلاّ أنّ اللزوم ليس على نحو اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ ؛ فإنّ هذه كلّها لا تسمّى مفهوما ولا منطوقا ، إذن ما ذا تسمّى هذه الدلالة في هذه المقامات؟

نقول : الأنسب أن نسمّي مثل هذه الدلالة ـ على وجه العموم ـ «الدلالة السياقيّة» ، كما ربّما يجري هذا التعبير في لسان جملة من الأساطين لتكون في مقابل الدلالة المفهوميّة والمنطوقيّة.

والمقصود بها ـ على هذا ـ أنّ سياق الكلام يدلّ على المعنى المفرد أو المركّب أو اللفظ المقدّر. وقسّموها إلى الدلالات الثلاث المذكورة : الاقتضاء ، والتنبيه ، والإشارة ، فلنبحث

__________________

(١) المقصود من الدلالة الالتزاميّة ، ما يعمّ الدلالة التضمّنية باصطلاح المناطقة باعتبار رجوع الدلالة التضمّنية إلى الالتزامية ؛ لأنّها لا تتمّ إلاّ حيث يكون معنى الجزء لازما للكلّ فتكون الدلالة من ناحية الملازمة بينهما ـ منه رحمه‌الله ـ.

۶۸۸۱