أمّا : إذا لم يحصل ذلك لطالب الحكم الواقعيّ ـ كما في العهود المتأخّرة عن عصرهم ـ فإنّه لا بدّ له في أخذ الأحكام من طريق أن يرجع ـ بعد القرآن الكريم ـ إلى الأحاديث التي تنقل السنّة ، إمّا من طريق التواتر ، أو من طريق أخبار الآحاد على الخلاف الذي سيأتي في مدى حجّيّة أخبار الآحاد. (١)

وعلى هذا ، فالأحاديث ليست هي السنّة ، بل هي الناقلة لها ، والحاكية عنها ، ولكن قد تسمّى بالسنّة ، توسّعا من أجل كونها مثبتة لها.

ومن أجل هذا يلزمنا البحث عن الأخبار في باب السنّة ؛ لأنّه يتعلّق ذلك بإثباتها.

ونعقد الفصل في مباحث أربعة :

١. دلالة فعل المعصوم

لا شكّ في أنّ فعل المعصوم ـ بحكم كونه معصوما ـ يدلّ على إباحة الفعل على الأقلّ ، كما أنّ تركه لفعل يدلّ على عدم وجوبه على الأقلّ. ولا شكّ في أنّ هذه الدلالة بهذا الحدّ أمر قطعيّ ليس موضعا للشبهة بعد ثبوت عصمته.

ثمّ نقول بعد هذا : إنّه قد يكون لفعل المعصوم من الدلالة ما هو أوسع من ذلك ، وذلك فيما إذا صدر منه الفعل محفوفا بالقرينة ، كأن يحرز أنّه في مقام بيان حكم من الأحكام ، أو عبادة من العبادات ، كالوضوء ، والصّلاة ، ونحوها ؛ فإنّه حينئذ يكون لفعله ظهور في وجه الفعل من كونه واجبا ، أو مستحبّا ، أو غير ذلك ، حسبما تقتضيه القرينة.

ولا شبهة في أنّ هذا الظهور حجّة ، كظواهر الألفاظ بمناط واحد ، وكم استدلّ الفقهاء على حكم أفعال الوضوء ، والصلاة ، والحجّ ، وغيرها ، وكيفيّاتها بحكاية فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو الإمام في هذه الأمور.

كلّ هذا لا كلام ولا خلاف لأحد فيه. وإنّما وقع الكلام للقوم في موضعين :

__________________

ـ حلية الأولياء ١ : ٣٥٥ ؛ إحقاق الحقّ ٤ : ٤٢٦ ـ ٤٤٣ و ٩ : ٣٠٩ ـ ٣٧٥ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٦٣ ؛ أسد الغابة ٣ : ١٤٧ ؛ صحيح الترمذي ٥ : ٦٦٣ ، وغيرها من المصادر الروائيّة.

(١) يأتي في الصفحتين : ٧٢ ـ ٧٤ من هذا الجزء.

۶۸۸۱