الثاني : بعد تسليم أنّ الجزء مقدّمة ، ولكن يستحيل اتّصافه بالوجوب الغيريّ ما دام أنّه واجب بالوجوب النفسيّ ؛ لأنّ المفروض أنّه جزء الواجب بالوجوب النفسيّ ، وليس المركّب إلاّ أجزاءه بالأسر ، فينبسط الوجوب على الأجزاء. وحينئذ لو وجب الجزء بالوجوب الغيريّ أيضا ، لاتّصف الجزء بالوجوبين. (١)
وقد اختلفوا في بيان وجه استحالة اجتماع الوجوبين (٢) ، ولا يهمّنا بيان الوجه فيه بعد الاتّفاق على الاستحالة.
ولمّا كان هذا البحث لا نتوقّع منه فائدة عمليّة حتّى مع فرض الفائدة العمليّة في مسألة وجوب المقدّمة ، مع أنّه بحث دقيق يطول الكلام حوله ، فنحن نطوي عنه صفحا محيلين الطالب إلى المطوّلات إن شاء (٣).
٦. الشرط الشرعيّ
إنّ المقدّمة الخارجيّة تنقسم إلى قسمين : عقليّة وشرعيّة.
١. «المقدّمة العقليّة» هي كلّ أمر يتوقّف عليه وجود الواجب توقّفا واقعيّا يدركه العقل بنفسه من دون استعانة بالشرع ، كتوقّف الحجّ على قطع المسافة.
٢. «المقدّمة الشرعيّة» هي كلّ أمر يتوقّف عليه الواجب توقّفا لا يدركه العقل بنفسه ،
__________________
(١) وهذا الأمر ممّا استند به سلطان العلماء على ما في هداية المسترشدين : ٢١٦. واستند به المحقّق الخراسانيّ والمحقّق العراقيّ أيضا ، فراجع كفاية الأصول : ١١٥ ، ونهاية الأفكار ١ : ٢٦٨.
(٢) فقد يقال بأنّ وجه الاستحالة اجتماع حكمين متماثلين في شيء واحد. وهذا ما أفاده المحقّق الخراسانيّ في الكفاية : ١١٥. وقد ينسب إلى المشهور كما في نهاية الدراية ١ : ٣٠٦.
وقد يقال بأنّ وجه الاستحالة اجتماع الضدّين. وهذا يظهر من نهاية الأفكار ١ : ٢٦٨.
وقد يقال في وجه الاستحالة : إنّ الإرادة علّة للحركة نحو المراد ، فإن كان الغرض الداعي إلى الإرادة واحدا فانبعاث الإرادتين منه في قوّة صدور المعلولين عن علّة واحدة ، وهو محال. وإن كان الغرض متعدّدا لزم صدور الحركة عن علّتين مستقلّتين ، وهو محال. وهذا أفاده المحقّق الأصفهاني في نهاية الدراية ١ : ٣٠٦.
(٣) راجع : هداية المسترشدين : ٢١٦ ؛ مطارح الأنظار : ٣٨ ـ ٤٠ ؛ كفاية الأصول : ١١٥ ـ ١١٦ ؛ فوائد الأصول ١ : ٢٦٣ ـ ٢٦٨ ؛ نهاية الأفكار ١ : ٢٦٢ ـ ٢٦٩.