وبقي الكلام في اجتماعهما مع عدم المندوحة ، وذلك بأن يكون المكلّف مضطرّا إلى هذا الجمع بينهما. والاضطرار على نحوين :

الأوّل : أن يكون بدون سبق اختيار للمكلّف في الجمع ، كمن اضطرّ لإنقاذ غريق إلى التصرّف في أرض مغصوبة ، فيكون تصرّفه في الأرض واجبا من جهة إنقاذ الغريق ، وحراما من جهة التصرّف في المغصوب.

فإنّه في هذا الفرض لا بدّ أن يقع التزاحم بين الواجب والحرام في مقام الامتثال ؛ إذ لا مندوحة للمكلّف حسب الفرض ، فلا بدّ في مقام إطاعة الأمر بإنقاذ الغريق من الجمع ؛ لانحصار امتثال الواجب في هذا الفرد المحرّم ، فيدور الأمر بين أن يعصي الأمر أو يعصي النهي. وفي مثله يرجع إلى أقوى الملاكين ، فإن كان ملاك الأمر أقوى ـ كما في المثال المذكور ـ قدّم جانب الأمر ، ويسقط النهي عن الفعليّة ، وإن كان ملاك النهي أقوى قدّم جانب النهي ، كمن انحصر عنده إنقاذ حيوان محترم من الهلكة بهلاك إنسان.

تنبيه :

ممّا يلحق بهذا الباب ويتفرّع عليه ما لو اضطرّ إلى ارتكاب فعل محرّم لا بسوء اختياره ، ثمّ اضطرّ إلى الإتيان بالعبادة على وجه يكون ذلك الفعل المحرّم مصداقا لتلك العبادة ، بمعنى أنّه اضطرّ إلى الإتيان بالعبادة مجتمعة مع فعل الحرام الذي قد اضطرّ إليه. ومثاله المحبوس في مكان مغصوب ، فيضيّق عليه وقت الصلاة ، ولا يسعه الإتيان بها خارج المكان المغصوب. فهل في هذا الفرض يجب عليه الإتيان بالعبادة وتقع صحيحة ، أو لا؟

نقول : لا ينبغي الشكّ في أنّ عبادته على هذا التقدير تقع صحيحة ؛ لأنّه مع الاضطرار إلى الفعل الحرام لا تبقى فعليّة للنهي ؛ لاشتراط القدرة في التكليف ، فالأمر لا مزاحم لفعليّته ، فيجب عليه أداء الصلاة ، ولا بدّ أن تقع حينئذ صحيحة.

نعم ، يستثنى من ذلك ما لو كان دليل الأمر ودليل النهي متعارضين بأنفسهما من أوّل الأمر ، وقد رجّحنا جانب النهي بأحد مرجّحات باب التعارض ؛ فإنّه في هذه الصورة لا وجه لوقوع العبادة صحيحة ؛ لأنّ العبادة لا تقع صحيحة إلاّ إذا قصد بها امتثال الأمر الفعليّ بها

۶۸۸۱