وقد تقدّم في حجّيّة خبر الثقة أنّه لا يشترط حصول الظنّ الفعليّ به ، ولا عدم الظنّ بخلافه. (١)
٤. الترجيح بموافقة الكتاب :
في ذلك روايات كثيرة :
منها : مقبولة ابن حنظلة المتقدّمة.
ومنها : خبر الحسن بن الجهم المتقدّم. فقد جاء في صدره : قلت له : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة؟ قال : «ما جاءك عنّا فقسه على كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ وأحاديثنا ، فإن كان يشبههما فهو منّا ، وإن لم يكن يشبههما فليس منّا».
قال في «الكفاية» : «إنّ في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظرا ، وجهه قوّة احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب في نفسه غير حجّة ، بشهادة ما ورد في أنّه زخرف وباطل ، وليس بشيء ، أو أنّه لم نقله ، أو أمر بطرحه على الجدار ...» (٢).
أقول (٣) : في مسألة موافقة الكتاب ، ومخالفته طائفتان من الأخبار :
الأولى : في بيان مقياس أصل حجّيّة الخبر ، لا في مقام المعارضة بغيره ، وهي التي ورد فيها التعبيرات المذكورة في «الكفاية» : «إنّه زخرف وباطل ...» إلى آخره (٤). فلا بدّ أن تحمل هذه الطائفة على المخالفة لصريح الكتاب ؛ لأنّه هو الذي يصحّ وصفه بأنّه زخرف وباطل ، ونحوهما.
والثانية : في بيان ترجيح أحد المتعارضين. وهذه لم يرد فيها مثل تلك التعبيرات ، وقد قرأت بعضها. وينبغي أن تحمل على المخالفة لظاهر الكتاب ، لا لنصّه ، لا سيّما أنّ مورد بعضها ـ مثل المقبولة ـ في الخبر الذي لو كان وحده لأخذ به ، وإنّما المانع من الأخذ به وجود المعارض ؛ إذ الأمر بالأخذ بالموافق وترك المخالف وقع في المقبولة ، بعد
__________________
(١) تقدّم في الصفحتين : ٤٩٥ ـ ٤٩٧.
(٢) كفاية الأصول : ٥٠٥.
(٣) هذا الجواب أيضا أفاده المحقّق الأصفهانيّ في نهاية الدراية ٣ : ٣٧٣ واستفاد منه تلميذه المصنّف في المقام.
(٤) راجع : وسائل الشيعة ١٨ : ٧٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.