الذي يبدو لي أنّ الاستصحاب ـ حتى على القول بأنّ مستنده حكم العقل ـ لا يخرج عن كونه قاعدة عمليّة ليس مضمونها إلاّ حكما ظاهريّا مجعولا للشاكّ. وأمّا : الظنّ ببقاء المتيقّن ـ على تقدير حكم العقل ، وعلى تقدير حجّيّة مثل هذا الظنّ ـ لا يكون إلاّ مستندا للقاعدة ، ودليلا عليها ، وشأنه في ذلك شأن الأخبار وبناء العقلاء ، لا أنّ الظنّ هو نفس القاعدة ، حتى تكون أمارة ؛ لأنّ هذا الظنّ نستنتج منه أنّ الشارع جعل هذه القاعدة الاستصحابيّة لأجل العمل بها عند الشكّ ، والحيرة.
والحاصل أنّ هذا الظنّ يكون مستندا للاستصحاب ، لا أنّه نفس الاستصحاب ، وهو من هذه الجهة كالأخبار ، وبناء العقلاء ، فكما أنّ الأخبار يصحّ أن توصف بأنّها أمارة على الاستصحاب إذا قام الدليل القطعيّ على اعتبارها ، ولا يلزم من ذلك أن يكون نفس الاستصحاب أمارة ، كذلك يصحّ أن يوصف هذا الظنّ بأنّه أمارة إذا قام الدليل القطعيّ على اعتباره ، ولا يلزم منه أن يكون نفس الاستصحاب أمارة.
فاتّضح أنّه لا يصحّ وصف الاستصحاب بأنّه أمارة على جميع المباني فيه ، وإنّما هو أصل عمليّ ، لا غير.
الأقوال في الاستصحاب
تشعّبت في الاستصحاب أقوال العلماء بشكل يصعب حصرها على ما يبدو. ونحن نحيل خلاصتها إلى ما جاء في رسائل الشيخ الأنصاريّ قدسسره ثقة بتحقيقه ، وهو خرّيت هذه الصناعة ، الصبور على ملاحقة أقوال العلماء وتتبّعها. قال رحمهالله ـ بعد أن توسّع في نقل الأقوال ، والتعقيب عليها ـ ما نصّه :
«هذه جملة ما حضرني من كلمات الأصحاب ، والمتحصّل منها في بادئ النظر أحد عشر قولا :
الأوّل : القول بالحجّيّة مطلقا (١).
__________________
(١) ذهب إلى هذا القول من المتأخّرين الشيخ الآخوند صاحب الكفاية رحمهالله ـ منه قدسسره ـ. راجع كفاية الأصول : ٤٣٩. ـ