للّغة همّهم أن يذكروا المعاني التي شاع استعمال اللفظ فيها ، من دون كثير عناية منهم بتمييز المعاني الحقيقيّة من المجازيّة إلاّ نادرا ، عدا الزمخشريّ في كتابه «أساس اللغة» ، وعدا بعض المؤلّفات في فقه اللغة.
وعلى تقدير أن ينصّ اللغويون على المعنى الحقيقيّ ، فإن أفاد نصّهم العلم بالوضع فهو ، وإلاّ فلا بدّ من التماس الدليل على حجّيّة الظنّ الناشئ من قولهم. وقيل في الاستدلال عليه وجوه من الأدلّة ، لا بأس بذكرها وما عندنا فيها :
أوّلا : قيل : «الدليل الإجماع». (١) وذلك ؛ لأنّه قائم على الأخذ بقول اللغويّ ، بلا نكير من أحد ، وإن كان اللغويّ واحدا.
أقول : وأنّى لنا بتحصيل هذا الإجماع العمليّ المدّعى بالنسبة إلى جميع الفقهاء؟ وعلى تقدير تحصيله ، فأنّى لنا من إثبات حجّيّة مثله؟ وقد تقدّم البحث مفصّلا عن منشأ حجّيّة الإجماع ، (٢) وليس هو ممّا يشمل هذا المقام بما هو حجّة ؛ لأنّ المعصوم لا يرجع إلى نصوص أهل اللغة ، حتى يستكشف من الإجماع موافقته في هذه المسألة ، أي رجوعه إلى أهل اللغة عملا.
ثانيا : قيل : «الدليل بناء العقلاء» (٣) ؛ لأنّ من سيرة العقلاء وبنائهم العمليّ الرجوع إلى أهل الخبرة الموثوق بهم في جميع الأمور التي يحتاج في معرفتها إلى خبرة وإعمال الرأي والاجتهاد ، كالشئون الهندسيّة والطبّيّة ، ومنها : اللغات ودقائقها ، ومن المعلوم أنّ اللغويّ معدود من أهل الخبرة في فنّه. والشارع لم يثبت منه الردع عن هذه السيرة العمليّة ،
__________________
(١) قال الشيخ الأنصاريّ في فرائد الأصول ١ : ٧٤ : «وقد حكي عن السيّد في بعض كلماته دعوى الإجماع على ذلك». ولكن لم نعثر عليها في كلمات السيّد المرتضى.
وفي أوثق الوسائل نسب دعوى الاتّفاق إلى العلاّمة الطباطبائيّ في شرح الوافية (مخطوط). راجع أوثق الوسائل : ١٠١.
والسيّد المجاهد نسبها إلى أستاذه ، والمحقّق السبزواريّ. راجع مفاتيح الأصول ، ٦١ ـ ٦٢.
(٢) وهو استكشاف قول المعصوم عن الإجماع.
(٣) والقائل هو المحقّق السبزواريّ في رسالة الغناء (مخطوطة) على ما في مفاتيح الأصول : ٦٢. وقال به أيضا المحقّق الشيخ محمد تقي الأصفهانيّ في هداية المسترشدين : ٤١.