منها : أن يتتبّع الباحث بنفسه استعمالات العرب ، ويعمل رأيه واجتهاده إذا كان من أهل الخبرة باللسان ، والمعرفة بالنكات البيانيّة. ونظير ذلك ما استنبطناه من أنّ كلمة «الأمر» لفظ مشترك بين ما يفيد معنى «الشيء» و «الطلب» (١). وذلك بدلالة اختلاف اشتقاق الكلمة بحسب المعنيين ، واختلاف الجمع فيها بحسبهما.
ومنها : أن يرجع إلى علامات الحقيقة والمجاز ، كالتبادر ، وأخواته. وقد تقدّم الكلام عن هذه العلامات (٢).
ومنها : أن يرجع إلى أقوال علماء اللغة. وسيأتي بيان قيمة أقوالهم.
وهناك أصول اتّبعها بعض القدماء (٣) لتعيين وضع الألفاظ أو ظهوراتها في موارد تعارض أحوال اللفظ. والحقّ أنّه لا أصل لها مطلقا ؛ لأنّه لا دليل على اعتبارها. (٤) وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم (٥).
وهي مثل ما ذهبوا إليه من أصالة عدم الاشتراك في مورد الدوران بين الاشتراك وبين الحقيقة والمجاز ، ومثل أصالة الحقيقة لإثبات وضع اللفظ عند الدوران بين كونه حقيقة أو مجازا.
أمّا : أنّه لا دليل على اعتبارها ؛ فلأنّ حجّيّة مثل هذه الأصول لا بدّ من استنادها إلى بناء العقلاء. والمسلّم من بنائهم هو ثبوته في الأصول التي تجري لإثبات مرادات المتكلّم ، دون ما يجري لتعيين وضع الألفاظ والقرائن. ولا دليل آخر في مثلها ، غير بناء العقلاء.
حجّيّة قول اللغويّ
إنّ أقوال اللغويّين لا عبرة بأكثرها في مقام استكشاف وضع الألفاظ ؛ لأنّ أكثر المدوّنين
__________________
(١) كما مرّ في المقصد الأوّل : ٧٤.
(٢) تقدّم في المقصد الأوّل : ٤٠ ـ ٤٤.
(٣) بل بعض المتأخّرين ، كالمحقق القمّي ، وصاحب الفصول ، فراجع القوانين ١ : ٣٢ ، والفصول : ٤٠.
(٤) وقال المحقّق الخراسانيّ : «إنّها استحسانيّة لا اعتبار لها إلاّ إذا كانت موجبة لظهور اللفظ في المعنى ؛ لعدم مساعدة دليل اعتبارها بدون ذلك». كفاية الأصول : ٣٥.
(٥) تقدّم في المقصد الأوّل : ٤٩.