وأوّل من وجدته من الأصوليّين يصرّح بالدليل العقليّ ، الشيخ ابن إدريس (المتوفّى ٥٩٨ ه. ق) ، فقال في السرائر : «فإذا فقدت الثلاثة ـ يعني الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ـ فالمعتمد عند المحقّقين التمسّك بدليل العقل فيها» (١). ولكنّه لم يذكر المراد منه.
ثمّ يأتي المحقّق الحليّ (المتوفّى ٦٧٦ ه. ق) ، فيشرح المراد منه ، فيقول في كتابه «المعتبر» (٢) ما ملخّصه :
وأمّا الدليل العقليّ فقسمان :
(أحدهما) : ما يتوقّف فيه على الخطاب ، وهو ثلاثة : لحن الخطاب ، وفحوى الخطاب ، ودليل الخطاب.
وثانيهما : ما ينفرد العقل بالدلالة عليه.
ويحصره في وجوه الحسن والقبح ، بما لا يخلو من المناقشة في أمثلته.
ويزيد عليه الشهيد الأوّل (المتوفّى سنة ٧٨٦ ه. ق) في مقدّمة كتابه «الذكرى» ، (٣) فيجعل القسم الأوّل ما يشمل الأنواع الثلاثة التي ذكرها المحقّق ، وثلاثة أخرى ، وهي مقدّمة الواجب ، ومسألة الضدّ ، وأصل الإباحة في المنافع والحرمة في المضارّ. ويجعل القسم الثاني ما يشمل ما ذكره المحقّق ، وأربعة أخرى ، وهي : البراءة الأصليّة ، وما لا دليل عليه ، والأخذ بالأقلّ عند الترديد بينه وبين الأكثر ، والاستصحاب.
وهكذا ينهج هذا النهج جماعة آخرون من المؤلّفين ، (٤) في حين أنّ الكتب الدراسيّة المتداولة ، مثل المعالم ، والرسائل ، والكفاية لم تبحث هذا الموضوع ، ولم تعرّف الدليل العقليّ ، ولم تذكر مصاديقه ، إلاّ إشارة عابرة في ثنايا الكلام.
ومن تصريحات المحقّق والشهيد الأوّل يظهر أنّه لم تتجلّ فكرة الدليل العقليّ في تلك العصور ، فوسّعوا في مفهومه إلى ما يشمل الظواهر اللفظيّة ، مثل لحن الخطاب ـ وهو
__________________
(١) السرائر ١ : ٤٦.
(٢) المعتبر في شرح المختصر ١ : ٣١.
(٣) ذكرى الشيعة ١ : ٥٢ ـ ٥٣.
(٤) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٧.