العقليّ ما لا يشمل مثل القياس ، فمن ظنّ من الأخباريّين في الأصوليّين أنّهم (١) يريدون منه ما يشمل القياس [تشنيعا عليهم] ، (٢) ليس [ظنّه] في موضعه ، وهو ظنّ تأباه تصريحاتهم بعدم الاعتبار بالقياس ، ونحوه.

ومع ذلك ، فإنّه لم يظهر لي بالضبط ما كان يقصد المتقدّمون من علمائنا بالدليل العقليّ ، حتى أنّ الكثير منهم لم يذكره من الأدلّة ، أو لم يفسّره ، أو فسّره بما لا يصلح أن يكون دليلا في قبال الكتاب والسنّة.

وأقدم نصّ وجدته ما ذكره الشيخ المفيد (المتوفّى سنة ٤١٣ ه‍. ق) في رسالته الأصوليّة التي لخّصها الشيخ الكراجكيّ (٣) ؛ فإنّه لم يذكر الدليل العقليّ من جملة أدلّة الأحكام ، وإنّما ذكر أنّ أصول الأحكام ثلاثة : الكتاب ، والسنّة النبويّة ، وأقوال الأئمّة عليهم‌السلام ، ثمّ ذكر أنّ الطرق الموصلة إلى ما في هذه الأصول ثلاثة : اللسان ، والأخبار ، وأوّلها العقل ، (٤) وقال عنه : «وهو سبيل إلى معرفة حجّيّة القرآن ، ودلائل الأخبار». وهذا التصريح ـ كما ترى ـ أجنبيّ عمّا نحن في صدده.

ثمّ يأتي بعده تلميذه الشيخ الطوسيّ (المتوفّى سنة ٤٦٠ ه‍. ق) في كتابه «العدّة» الذي هو أوّل كتاب مبسّط في الأصول ، فلم يصرّح بالدليل العقليّ ، فضلا عن أن يشرحه ، أو يفرد له بحثا. وكلّ ما جاء فيه في آخر فصل منه (٥) أنّه ـ بعد أن قسّم المعلومات إلى ضروريّة ومكتسبة ، والمكتسبة إلى عقليّ وسمعيّ ـ ذكر من جملة أمثلة الضروريّ العلم بوجوب ردّ الوديعة ، وشكر المنعم ، وقبح الظلم والكذب ؛ ثمّ ذكر في معرض (٦) كلامه أنّ القتل والظلم معلوم بالعقل قبحهما ، ويريد من قبحهما تحريمهما. وذكر أيضا : فأمّا الأدلّة الموجبة للعلم ، فبالعقل يعلم كونها أدلّة ، ولا مدخل للشرع في ذلك.

__________________

(١) أي : المتقدّمين.

(٢) ما بين المعقوفين موجود في «س».

(٣) راجع كنز الفوائد : ١٨٦.

(٤) أي قال : «وأحدها : العقل».

(٥) وهو فصل في ذكر ما يعلم بالعقل والسمع. راجع العدّة ٢ : ٧٥٩ ـ ٧٦٢.

(٦) المعرض : موضع عرض الشيء وإظهاره.

۶۸۸۱