وأوجبنا أن يكون العمل تابعا للعلم ؛ لأنّ خبر الواحد إذا كان عدلا (١) ، فغاية ما يقتضيه الظنّ بصدقه ، ومن ظننت صدقه يجوز أن يكون كاذبا».

وأصرح منه قوله بعد ذلك : «والعقل يمنع من العبادة بالقياس والعمل بخبر الواحد. ولو تعبّد الله (تعالى) بذلك ، لساغ ولدخل في باب الصحّة ؛ لأنّ عبادته بذلك لا توجب العلم الذي لا بدّ أن يكون العمل تابعا له».

وعلى هذا ، فيتّضح أنّ المسلّم فيه عند الجميع أنّ خبر الواحد ـ لو خلّي ونفسه ـ لا يجوز الاعتماد عليه ؛ لأنّه لا يفيد إلاّ الظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئا (٢). وإنّما موضع النزاع هو قيام الدليل القطعيّ على حجّيّته.

وعلى هذا ، فقد وقع الخلاف في ذلك على أقوال كثيرة : (٣)

فمنهم : من أنكر حجّيّته مطلقا ، وقد حكي هذا القول عن السيّد المرتضى (٤) ، والقاضي (٥) وابن زهرة (٦) ، والطبرسيّ (٧) وابن إدريس (٨) ، وادّعوا في ذلك الإجماع. ولكن هذا القول منقطع الآخر ، فإنّه لم يعرف موافق لهم بعد عصر ابن إدريس إلى يومنا هذا.

ومنهم : من قال : «إنّ الأخبار المدوّنة في الكتب المعروفة ـ لا سيّما الكتب الأربعة ـ مقطوعة الصدور». وهذا ما ينسب إلى جماعة من متأخّري الأخباريّين (٩). قال الشيخ الأنصاريّ

__________________

(١) أي إذا كان راويه الواحد عادلا.

(٢) خلافا لبعض علماء العامّة الذي حكي عنهم أنّه يفيد العلم. فراجع الإحكام (للآمدي) ١ : ١١٢ ؛ إرشاد الفحول : ٤٨.

(٣) ذكرها الشيخ الطوسيّ في العدّة ١ : ٩٧ ـ ١٠٠.

(٤) راجع رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٤ ـ ٢٥ ؛ الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥٢٨ ـ ٥٣١. وذهب إليه أيضا بعض العامّة ، كمحمّد بن إسحاق القاساني ، وابن داود ، كما في التبصرة في أصول الفقه : ٣٠٣.

(٥) هو أبو القاسم بن نحرير بن عبد العزيز بن برّاج ، حكاه عنه صاحب المعالم في معالم الدين : ٢٠٧.

(٦) غنية النزوع «ضمن الجوامع الفقهيّة» : ٤٧٥.

(٧) مجمع البيان ٩ : ١٩٩.

(٨) السرائر ١ : ٤٨.

(٩) منهم : العلاّمة البحرانيّ في الحدائق الناضرة ٩ : ٣٥٦ ـ ٣٥٨ ، والمحدّث الاسترآباديّ في الفوائد المدنيّة : ٥٢ ـ ٥٣.

۶۸۸۱