هذه خلاصة بيان ثمرة المسألة مع بيان موارد ظهورها ، ولكن هذا المقدار من البيان لا يكفي في تحقيقها ؛ فإنّ ترتّبها وظهورها يتوقّف على أمرين :

الأوّل : القول بأنّ النهي في العبادة يقتضي فسادها حتّى النهي الغيريّ التبعيّ ؛ لأنّه إذا قلنا بأنّ النهي مطلقا لا يقتضي فساد العبادة أو خصوص النهي التبعيّ لا يقتضي الفساد ، فلا تظهر الثمرة أبدا. وهو واضح ؛ لأنّ الضدّ العباديّ حينئذ يكون صحيحا ، سواء قلنا بالنهي عن الضدّ أم لم نقل.

والحقّ أنّ النهي في العبادة يقتضي فسادها حتّى النهي الغيريّ على الظاهر. وسيأتي تحقيق ذلك في موضعه إن شاء الله (تعالى) (١).

واستعجالا في بيان هذا الأمر نشير إليه إجمالا ، فنقول : إنّ أقصى ما يقال في عدم اقتضاء النهي التبعيّ للفساد هو : أنّ النهي التبعيّ لا يكشف عن وجود مفسدة في المنهيّ عنه ، وإذا كان الأمر كذلك فالمنهيّ عنه باق على ما هو عليه من مصلحة بلا مزاحم لمصلحته ، فيمكن التقرّب فيه إذا كان عبادة بقصد تلك المصلحة المفروضة فيه.

وهذا ليس بشيء ـ وإن صدر من بعض أعاظم مشايخنا (٢) ـ ؛ لأنّ المدار في القرب والبعد في العبادة ليس على وجود المصلحة والمفسدة فقط ؛ فإنّه من الواضح أنّ المقصود من القرب والبعد من المولى القرب والبعد المعنويّان ؛ تشبيها بالقرب والبعد المكانيّين ، وما لم يكن الشيء مرغوبا فيه للمولى فعلا لا يصلح للتقرّب به إليه ، ومجرّد وجود مصلحة فيه لا يوجب مرغوبيّته له مع فرض نهيه وتبعيده.

وبعبارة أخرى : لا وجه للتقرّب إلى المولى بما أبعدنا عنه ، والمفروض أنّ النهي التبعيّ نهي مولويّ ، وكونه تبعيّا لا يخرجه عن كونه زجرا ، وتنفيرا ، وتبعيدا عن الفعل وإن كان التبعيد لمفسدة في غيره ، أو لفوات مصلحة الغير.

نعم ، لو قلنا بأنّ النهي عن الضدّ ليس نهيا مولويّا ، بل هو نهي يقتضيه العقل الذي

__________________

(١) يأتي في المبحث الأوّل من المسألة الخامسة : ٣٥٥ ـ ٣٥٦.

(٢) وهو المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٢ : ٤٥٦. واختاره تلميذه المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٥ : ٦ ـ ٧.

۶۸۸۱