هذا قالوا : يكفي في طرح الأمارة أن يقع الشكّ في اعتبارها ، أو فقل على الأصحّ : يكفي ألاّ يحصل العلم باعتبارها ؛ فإنّ نفس عدم العلم بذلك كاف في حصول العلم بعدم اعتبارها ، أي بعدم جواز التعويل عليها والاستناد إليها. وذلك كالقياس والاستحسان وما إليهما وإن أفادت ظنّا قويّا.
ولا نحتاج في مثل هذه الأمور إلى الدليل على عدم اعتبارها ، وعدم حجّيّتها ، بل بمجرّد عدم حصول القطع بحجّيّة الشيء يحصل القطع بعدم جواز الاستناد إليه في مقام العمل ، وبعدم صحّة التعويل عليه ، فيكون القطع مأخوذا في موضوع حجّيّة الأمارة.
ويتحصّل من ذلك كلّه أنّ أماريّة الأمارة وحجّيّة الحجّة إنّما تحصل وتتحقّق بوصول علمها إلى المكلّف ، وبدون العلم بالحجّيّة لا معنى لفرض كون الشيء أمارة وحجّة ، ولذا قلنا : «إنّ مناط إثبات الحجّيّة وقوامها (١) العلم» ، فهو (٢) مأخوذ في موضوع الحجيّة ؛ فإنّ العلم تنتهي إليه حجّيّة كلّ حجّة.
ولزيادة الإيضاح لهذا الأمر ، ولتمكين النفوس المبتدئة من الاقتناع بهذه الحقيقة البديهيّة نقول من طريق آخر لإثباتها :
أوّلا : إنّ الظنّ بما هو ظنّ ليس حجّة بذاته.
وهذه مقدّمة واضحة قطعيّة ، وإلاّ لو كان الظنّ حجة بذاته ، لما جاز النهي عن اتّباعه والعمل به ، ولو في بعض الموارد على نحو الموجبة الجزئيّة ؛ لأنّ ما هو بذاته حجّة يستحيل النهي عن الأخذ به ، كما سيأتي في حجّيّة القطع (المبحث الآتي) ، ولا شكّ في وقوع النهي عن اتّباع الظنّ في الشريعة الإسلاميّة المطهّرة ، ويكفي في إثبات ذلك قوله (تعالى) : ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ ...﴾ (٣)
ثانيا : إذا لم يكن الظنّ حجّة بذاته فحجّيّته تكون عرضيّة ـ أي إنّها تكون مستفادة من الغير ـ ؛ فننقل الكلام إلى ذلك الغير المستفادة منه حجّيّة الظنّ ؛ فإن كان هو القطع ، فذلك هو
__________________
(١) أي قوام الأمارة.
(٢) أي العلم.
(٣) الأنعام (٦) الآية : ١١٦ ؛ يونس (١٠) الآية : ٦٦.