يحرم فعله.

ثانيهما : أنّا لا نسلّم أنّ ترك الضدّ الخاصّ مقدّمة لفعل المأمور به ، وهذه المقدّميّة ـ أعني مقدّميّة ترك الضدّ الخاصّ ـ لا تزال مثارا للبحث عند المتأخّرين حتى أصبحت من المسائل الدقيقة المطوّلة (١) ، ونحن في غنى عن البحث عنها بعد ما تقدّم.

ولكن لحسم مادّة الشبهة لا بأس بذكر خلاصة ما يرفع المغالطة في دعوى مقدّميّة ترك الضدّ ، فنقول :

إنّ المدّعي لمقدّميّة ترك الضدّ لضدّه تبتني دعواه على أنّ عدم الضدّ من باب عدم المانع بالنسبة إلى الضدّ الآخر للتمانع بين الضدّين ـ أي لا يمكن اجتماعهما معا ـ ، ولا شكّ في أنّ عدم المانع من المقدّمات ؛ لأنّه من متمّمات العلّة ، فإنّ العلّة التامّة ـ كما هو معروف ـ تتألّف من المقتضي وعدم المانع.

فيتألّف دليله من مقدّمتين :

١. الصغرى : إنّ عدم الضدّ من باب «عدم المانع» لضدّه ؛ لأنّ الضدّين متمانعان.

٢. الكبرى : إنّ «عدم المانع» من المقدّمات.

فينتج من الشكل الأوّل أنّ عدم الضدّ من المقدّمات لضدّه.

وهذه الشبهة إنّما نشأت من أخذ كلمة «المانع» مطلقة. فتخيّلوا أنّ لها معنى واحدا في الصغرى والكبرى ، فانتظم عندهم القياس الذي ظنّوه منتجا ، بينما أنّ الحقّ أنّ التمانع له معنيان ، ومعناه في الصغرى غير معناه في الكبرى ، فلم يتكرّر الحدّ الأوسط ، فلم يتألّف قياس صحيح.

بيان ذلك أنّ التمانع تارة يراد منه التمانع في الوجود ، وهو امتناع الاجتماع وعدم الملاءمة بين الشيئين ، وهو المقصود من التمانع بين الضدّين ؛ إذ هما لا يجتمعان في الوجود ولا يتلاءمان ؛ وأخرى يراد منه التمانع في التأثير وإن لم يكن بينهما تمانع وتناف في الوجود ، وهو الذي يكون بين المقتضيين لأثرين متمانعين في الوجود ؛ وإذ يكون

__________________

(١) وإن شئت فراجع الكتب المطوّلة ، منها ما يلي : قوانين الأصول ١ : ١٠٨ ؛ هداية المسترشدين : ٢٣٠ ـ ٢٣١ ؛ مطارح الأنظار : ١٠٨ ـ ١١٢ ؛ كفاية الأصول : ١٦١ ـ ١٦٣ ؛ نهاية الدراية ١ : ٤٢٥ ـ ٤٤١.

۶۸۸۱