وإنّما وقع الخلاف ـ أو يمكن أن يقع ـ في مسألة الإجزاء فيما إذا كان هناك أمران : أمر أوّليّ واقعيّ لم يمتثله المكلّف إمّا لتعذّره عليه أو لجهله به ، وأمر ثانويّ إمّا اضطراريّ في صورة تعذّر الأوّل ، وإمّا ظاهريّ في صورة الجهل بالأوّل ؛ فإنّه إذا امتثل المكلّف هذا الأمر الثانويّ الاضطراريّ أو الظاهريّ ثمّ زال العذر والاضطرار أو زال الجهل وانكشف الواقع ، صحّ الخلاف في كفاية ما أتى به امتثالا للأمر الثاني عن امتثال الأمر الأوّل ، وإجزائه عنه إعادة في الوقت وقضاء في خارجه.
ولأجل هذا عقدت هذه المسألة : «مسألة الإجزاء».
وحقيقتها هي البحث عن ثبوت الملازمة ـ عقلا ـ بين الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراريّ أو الظاهريّ ، وبين الإجزاء والاكتفاء به عن امتثال الأمر الأوّليّ الاختياريّ الواقعيّ.
وقد عبّر بعض علماء الأصول المتأخّرين عن هذه المسألة بقوله : «هل الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء أو لا يقتضي؟» (١)
والمراد من «الاقتضاء» في كلامه الاقتضاء بمعنى العلّيّة والتأثير (٢) ، أي إنّه هل يلزم ـ عقلا ـ من الإتيان بالمأمور به سقوط التكليف شرعا أداء وقضاء؟
ومن هنا تدخل هذه المسألة في باب الملازمات العقليّة ، على ما حرّرنا البحث في صدر هذا المقصد عن المراد بالملازمة العقليّة (٣). ولا وجه لجعلها من باب مباحث الألفاظ (٤) ، لأنّ ذلك ليس من شئون الدلالة اللفظيّة.
وعلينا أن نعقد البحث في مقامين : الأوّل : في إجزاء المأمور به بالأمر الاضطراريّ. الثاني : في إجزاء المأمور به بالأمر الظاهريّ :
__________________
(١) كفاية الأصول : ١٠٤.
(٢) لا بنحو الكشف والدلالة.
(٣) وهو حكم العقل بالملازمة بين حكم الشرع وبين أمر آخر ، سواء كان حكما عقليّا أو شرعيّا أو غيرهما. راجع الصفحة ٢١٩.
(٤) كما جعلها أكثر الأصوليّين من باب مباحث الألفاظ. راجع الفصول الغرويّة ١ : ١١٦ ؛ العدّة ١ : ٢١٢ ، مناهج الأحكام والأصول : ٦٦ ؛ كفاية الأصول : ١٠٤.