وحيث إن من المقطوع به أنّ النص رواية واحدة ، وأن سعدان لم يروها للعباس ابن معروف مرة عن الإمام عليهالسلام مباشرة وأُخرى عن رجل عنه عليهالسلام ، وكذا الحال بالنسبة إلى العباس بالقياس إلى محمد بن علي بن محبوب ومحمد ابن أحمد بن يحيى ، كانت هذه الرواية غير محرزة السند ، لعدم إحراز كونها مسندة لا مرسلة ، فتسقط عن الحجية لا محالة.
على أننا لو فرضنا تمامية هذه الرواية سنداً ، فهي رواية شاذة لا يمكنها معارضة الأخبار الكثيرة جدّاً بحيث تكاد تبلغ حدّ التواتر ، الدالّة على اعتبار رضا الأب في الجملة استقلالاً أو اشتراكاً للجزم بصدورها ولو بعضاً منهم عليهمالسلام.
ومنها : معتبرة أبي مريم عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «الجارية البكر التي لها الأب لا تتزوج إلّا بإذن أبيها» وقال : «إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى ما شاءت» (١). بدعوى حمل الجملة الأُولى على الصغيرة ، والثانية على البالغة الرشيدة.
إلّا أن في الاستدلال بها ما لا يخفى. فإن الموضوع فيها ليس هو الجارية فقط ومن غير قيد ، وإنما هو الجارية البكر ، وهو مما يكشف عن وجود خصوصيّة للبكارة. ومن هنا فلا يمكن حمل الجملة الأُولى على خصوص الصغيرة ، وحمل الجملة الثانية على البالغة ، لأنه يستلزم إلغاء خصوصيّة البكارة ، باعتبار أن أمر الصبية بيد أبيها سواء أكانت باكراً أم ثيباً.
وعلى هذا الأساس فلا بدّ من حمل الجملة الثانية : إما على فرض موت الأب ، أو تثيب البنت بعد ذلك.
ومنها : معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «تزوّج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها ، فإن شاءت جعلت وليّاً» (٢).
وفيها : أنه لو سلمنا صحّة حمل قوله عليهالسلام : «مالكة لأمرها» على البالغة فدلالتها على المدعى إنما هي بالإطلاق. ومن هنا فيكون حالها حال الأخبار المطلقة
__________________
(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ح ٧.
(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ح ٨.