٣ ـ مقدار ما يثبت بالاستصحاب
دليل الاستصحاب كما عرفنا مفاده النهي عن النقض العمليّ لليقين عند الشكّ.
وهذا النهي لا يراد به تحريم النقض العمليّ ، بل يراد به بيان أنّ الشارع حكم ببقاء المتيقّن عند الشكّ في بقائه ، والنهي إرشاد إلى هذا الحكم ، فكأ نّه قال : «لا ينقض اليقين بالشكّ ؛ لأنّي أحكم بأنّ المتيقّن باقٍ» ، والحكم ببقاء المتيقّن هنا لايعني بقاءه حقيقةً ، وإلاّ لزال الشكّ ؛ مع أنّ الاستصحاب حكم الشكّ ، بل يعني بقاءه من الناحية العمليّة ، أي تنزيله منزلة الباقي عمليّاً ، ومرجع ذلك إلى القول بأنّ الشيء الذي كنت على يقينٍ منه فشككت في بقائه نُزّل منزلة الباقي.
فإذا كان المستصحَب حكماً فتنزيله منزلة الباقي معناه التعبّد ببقائه ، وإذا كان موضوعاً لحكمٍ فتنزيله منزلة الباقي معناه التعبّد بحكمه وأثره ، وإذا كان للمستصحَب حكم شرعيّ وكان هذا الحكم بنفسه موضوعاً لحكمٍ شرعيٍّ آخر فتنزيله منزلة الباقي معناه التعبّد بحكمه ، والتعبّد بحكمه هو بدوره يعني التعبّد بما لهذا الحكم من حكمٍ أيضاً ، وهكذا.
وقد لا يكون المستصحب حكماً ولا موضوعاً لحكم ، ولكنّه سبب تكوينيّ أو ملازم خارجيّ لشيءٍ آخر وذلك الشيء هو موضوع الحكم ، كما لو فرضنا أنّ حياة زيدٍ التي كنّا على يقينٍ منها ثمّ شككنا في بقائها سبب ـ على تقدير بقائها إلى زمان الشكّ ـ لنبات لحيته ، وكان نبات اللحية موضوعاً لحكمٍ شرعيّ ، ففي مثل ذلك هل يجري استصحاب حياة زيدٍ لإثبات ذلك الحكم الشرعيّ تعبّداً ، أوْ لا؟
والمشهور بين المحقّقين عدم اقتضاء دليل الاستصحاب لذلك ، وهذا هو