والثاني مستحيل أيضاً ؛ لأنّ الحكم الظاهريّ ـ كما تقدم (١) ـ ما اخذ في موضوعه الشكّ ، ولا شكّ مع القطع.
وبهذا يظهر أنّ القطع لا يتميّز عن الظنّ والاحتمال في أصل المنجّزيّة ، وإنّما يتميّز عنهما في عدم إمكان تجريده عن تلك المنجّزيّة ؛ لأنّ الترخيص في مورده مستحيل كما عرفت ، وليس كذلك في حالات الظنّ والاحتمال ، فإنّ الترخيص الظاهريّ فيها ممكن ؛ لأنّه لا يتطلّب أكثر من فرض الشكّ ، والشكّ موجود.
ومن هنا صحّ أن يقال : إنّ منجّزيّة القطع غير معلّقة ، بل ثابتة على الإطلاق ، وإنّ منجّزيّة غيره من الظنّ والاحتمال معلّقة ؛ لأنّها مشروطة بعدم إحراز الترخيص الظاهريّ في ترك التحفّظ.
معذّريّة القطع :
كنّا نتحدّث حتّى الآن عن الجانب التنجيزيّ والتسجيليّ من حجّيّة القطع «المنجّزيّة» ، والآن نشير إلى الجانب الآخر من الحجّيّة وهو «المعذّريّة» ، أي كون القطع بعدم التكليف معذّراً للمكلّف على نحوٍ لو كان مخطئاً في قطعه لمَا صحّت معاقبته على المخالفة ، وهذه المعذّريّة تستند إلى تحقيق حدود مولويّة المولى وحقّ الطاعة ؛ وذلك لأنّ حقّ الطاعة هل موضوعه الذي تفرض طاعته ، تكاليف المولى بوجودها في الشريعة بقطع النظر عن قطع المكلّف بها وشكّه فيها ، أو قطعه بعدمها ، أي أنّها تستتبع حقّ الطاعة في جميع هذه الحالات ، أو أنّ موضوع حقّ الطاعة تكاليف المولى المنكشفة للمكلّف ولو بدرجةٍ احتماليّةٍ من الانكشاف؟
فعلى الأوّل لا يكون القطع معذّراً إذا خالف الواقع ، وكان التكليف ثابتاً على
__________________
(١) مضى تحت عنوان : الحكم الواقعي والحكم الظاهري