وهناك في مقابل ذلك احتمال أن يكون السلوك المذكور مبنيّاً على الغفلة عن الاستعلام ، أو الغفلة في فهم الجواب على تقدير الاستعلام. غير أنّ هذا الاحتمال يضعف بحساب الاحتمال كلّما لوحظ شمول السيرة وتطابق عددٍ كبيرٍ من المتشرّعة عليها ، ومن هنا قلنا : إنّ سيرة المتشرّعة تناظر الإجماع ؛ لأنّهما معاً يقومان في كشفهما على أساس حساب الاحتمال. غير أنّ الإجماع يمثّل موقفاً فتوائيّاً نظريّاً للفقهاء ، والآخر يمثّل سلوكاً عمليّاً دينيّاً للمتشرّعة.

وكثيراً ما تشكّل سيرة المتشرّعة بالمعنى المذكور الحلقة الوسيطة بين الإجماع والدليل الشرعيّ ، بمعنى أنّ تطابق أهل الفتوى على حكمٍ مع عدم كونه منصوصاً في ما بأيدينا من نصوصٍ يكشف بظنٍّ غالبٍ اطمئنانيٍّ عن تطابق سلوكيٍّ وارتكازيٍّ من المتشرّعة المعاصرين لعصر النصوص ، وهذا بدوره يكشف عن الدليل الشرعيّ.

وبكلمةٍ اخرى : أنّ الإجماع المذكور يكشف عن روايةٍ غير مكتوبة ، ولكنّها معاشة سلوكاً وارتكازاً بين عموم المتشرّعة.

الإحراز الوجدانيّ للدليل الشرعيّ غير اللفظيّ :

مرّ بنا أنّ دليل السيرة العقلائيّة يعتمد على ركنين : أحدهما قيام السيرة المعاصرة للمعصومين من العقلاء على شيءٍ. والآخر سكوت المعصوم الذي يدلّ ـ كما تقدّم (١) ـ على الإمضاء.

والسؤال الآن : كيف يمكن أن نحرز كلّ واحدٍ من هذين الركنين؟ فإنّنا بحكم

__________________

(١) تقدم تحت عنوان : السيرة

۴۷۲۱