متى يجوز عقلاً التعجيز؟
تارةً يترك المكلّف الواجب وهو قادر على إيجاده ، وهذا هو العصيان ، واخرى يتسبّب إلى تعجيز نفسه عن الإتيان به ، وهذا التسبيب له صورتان :
الاولى : أن يقع بعد فعليّة الوجوب ، كحال إنسانٍ يحلّ عليه وقت الفريضة ولديه ماء فيريق الماء ويعجّز نفسه عن الصلاة مع الوضوء ، وهذا لا يجوز عقلاً ؛ لأ نّه معصية.
الثانية : أن يقع قبل فعليّة الوجوب ، كما لو أراق الماء في المثال قبل دخول الوقت ، وهذا يجوز ؛ لأنّه بإراقة الماء يجعل نفسه عاجزاً عن الواجب عند تحقّق ظرف الوجوب ، وحيث إنّ الوجوب مشروط بالقدرة فلا يحدث الوجوب في حقّه ، ولا محذور في أن يسبّب المكلّف إلى أن لا يحدث الوجوب في حقّه ، وإنّما المحذور في أن لا يمتثله بعد أن يحدث.
ولكن قد يقال هنا بالتفصيل بين ما إذا كان دخل القدرة في هذا الوجوب عقليّاً أو شرعيّاً ، فإذا كان الدخل شرعيّاً جاز التعجيز المذكور ؛ لأنّه لا يفوّت على المولى بذلك شيئاً ، إذ يصبح عاجزاً ؛ ولا ملاك للواجب في حقّ العاجز. وإذا كان الدخل عقليّاً وكان ملاك الواجب ثابتاً في حقّ العاجز أيضاً وإن اختصّ التكليف بالقادر بحكم العقل ـ فلا يجوز التعجيز المذكور ؛ لأنّ المكلّف يعلم بأ نّه بهذا سوف يسبّب إلى تفويت ملاكٍ فعليّ في ظرفه المقبل ، وهذا لا يجوز بحكم العقل.
وعلى هذا الأساس يمكن تخريج مسؤوليّة المكلّف تجاه المقدّمات المفوّتة في بعض الحالات ، بأن يقال : إنّ هذه المسؤوليّة تثبت في كلّ حالةٍ يكون دخل القدرة فيها عقلياً لا شرعيّاً.