القائل : «لا ينقض اليقين أبداً بالشكّ» (١) ، وبالتدقيق في النصّين نلاحظ أنّ دليل الاستصحاب يلغي الشكّ ، ويفترض كأنّ اليقين باقٍ على حاله ، فيرفع بذلك موضوع أصل البراءة.

ففي مثال وجوب الصوم لا يمكن أن نستند إلى أصل البراءة عن وجوب الصوم بعد غروب الشمس بوصفه وجوباً مشكوكاً ؛ لأنّ الاستصحاب يفترض هذا الوجوب معلوماً ، فيكون دليل الاستصحاب حاكماً على دليل البراءة ؛ لأنّه ينفي موضوع البراءة.

٣ ـ التعارض بين النوعين

ونصل الآن إلى فرضية التعارض بين دليلٍ محرزٍ وأصلٍ عملي كأصل البراءة أو الاستصحاب.

والحقيقة أنّ الدليل إذا كان قطعياً فالتعارض غير متصوّرٍ عقلاً بينه وبين الأصل ؛ لأنّ الدليل القطعيّ على الوجوب ـ مثلاً ـ يؤدّي إلى العلم بالحكم الشرعي ، ومع العلم بالحكم الشرعيّ لا مجال للاستناد إلى أيّ قاعدةٍ عملية ؛ لأنّ القواعد العملية إنّما تجري في ظرف الشكّ ، إذ قد عرفنا سابقاً أنّ أصل البراءة موضوعه كلّ ما لا يعلم ، والاستصحاب موضوعه أن نشكَّ في بقاء ما كنّا على يقينٍ منه ، فإذا كان الدليل قطعيّاً لم يبقَ موضوع هذه الاصول والقواعد العملية.

وإنّما يمكن افتراض لونٍ من التعارض بين الدليل والأصل إذا لم يكن الدليل قطعياً ، كما إذا دلّ خبر الثقة على الوجوب أو الحرمة ـ وخبر الثقة كما مرَّ بنا (٢) دليل

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٨ ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ، الحديث ١١

(٢) في بحث الدليل الشرعي اللفظي ، تحت عنوان : إثبات الصدور

۴۷۲۱