مضطرّ إلى الحليب البارد منهما اضطراراً يسقط الحرمة لو كان هو الحرام ، ففي مثل ذلك لا يوجد علم بجامع الحرمة ، إذ لو كان الحليب المحرّم هو الحليب البارد فلا حرمة فيه فعلاً بسبب الاضطرار ، ولا في الآخر ، ولو كان هو الحليب الآخر فالحرمة ثابتة فعلاً ، وهذا يعني أنّ الحرمة لا يُعلم ثبوتها فعلاً في أحد الحليبين ؛ ومن أجل ذلك يقال : إنّ الاضطرار إلى طرفٍ معيّنٍ للعلم الإجماليّ يوجب سقوطه عن المنجّزيّة.
ومن حالات اختلال الركن الأوّل : أن يأتي المكلّف بفعلٍ مترسّلاً ، ثمّ يعلم إجمالاً بأنّ الشارع أوجب أحد الأمرين : إمّا ذلك الفعل ، وإمّا فعل آخر. فعلى الأوّل يكون التكليف قد سقط بالإتيان بالمكلّف به ، وعلى الثاني يكون ثابتاً ، فالتكليف لا يعلم ثبوته فعلاً.
ويختلّ الركن الثاني فيما إذا علم المكلّف إجمالاً بنجاسة أحد المائعين ، ثمّ علم تفصيلاً بأنّ أحدهما المعيَّن نجس ، ففي مثل ذلك لا يبقى العلم واقفاً على الجامع ، بل يسري إلى الفرد ، وهو معنى ما يقال من انحلال العلم الإجماليّ بالعلم التفصيليّ والشكّ البدويّ.
وكما ينحلّ العلم الإجماليّ بالعلم التفصيليّ نتيجةً لاختلال الركن الثاني كذلك قد ينحلّ بعلمٍ إجماليٍّ أصغر منه لاختلال هذا الركن أيضاً.
وتوضيح ذلك : أنّا قد نعلم إجمالاً بنجاسة مائعين في ضمن عشرة ، فهذا العلم الإجماليّ له عشرة أطراف ؛ والمعلوم نجاسته فيه إثنان منها ، وقد نعلم بعد ذلك إجمالاً بنجاسة مائعين في ضمن هذه الخمسة بالذات من تلك العشرة ، فينحلّ العلم الإجماليّ الأوّل بالعلم الإجماليّ الثاني ، ويكون الشكّ في الخمسة الاخرى شكّاً بدويّاً ؛ لأنّ العلم بجامع اثنين في عشرةٍ سرى إلى خصوصيّةٍ جديدة ، وهي كون الاثنين في ضمن الخمسة ، فلم يعد التردّد في نطاق العشرة ، بل في نطاق الخمسة.