في نفس كون الآمر مولى ، لنرى مدى ما للمولى من حقّ الطاعة على المأمور ، وهل له حقّ الطاعة في كلّ ما يقطع به من تكاليفه ، أو أوسع من ذلك بأن يفترض حقّ الطاعة في كلّ ما ينكشف لديه من تكاليفه ولو بالظنّ أو الاحتمال ، أو أضيق من ذلك بأن يفترض حقّ الطاعة في بعض ما يقطع به من التكاليف خاصّة؟

وهكذا يبدو أنّ البحث في حقيقته بحثٌ عن حدود مولويّة المولى ، وما نؤمن به له مسبقاً من حقّ الطاعة.

فعلى الأوّل تكون المنجّزيّة ثابتةً في حالات القطع خاصّة.

وعلى الثاني تكون ثابتةً في كلّ حالات القطع والظنّ والاحتمال.

وعلى الثالث تكون ثابتةً في بعض حالات القطع.

والذي ندركه بعقولنا أنّ مولانا سبحانه وتعالى له حقّ الطاعة في كلّ ما ينكشف لنا من تكاليفه بالقطع أو بالظنّ أو بالاحتمال ما لم يرخّص هو نفسه في عدم التحفّظ ، وهذا يعني أنّ المنجّزيّة ليست ثابتةً للقطع بما هو قطع ، بل بما هو انكشاف ، وأنّ كلّ انكشافٍ منجِّز مهما كانت درجته ما لم يحرز ترخيص الشارع نفسه في عدم الاهتمام به.

نعم ، كلّما كان الانكشاف بدرجةٍ أكبر كانت الإدانة وقبح المخالفة أشدّ ، فالقطع بالتكليف يستتبع لا محالة مرتبةً أشدّ من التنجّز والإدانة ؛ لأنّه المرتبة العليا من الانكشاف.

وأمّا القضيّة الثانية ـ وهي أنّ المنجّزيّة لا تنفكّ عن القطع بالتكليف ، وليس بإمكان المولى نفسه أن يتدخّل بالترخيص في مخالفة القطع وتجريده من المنجّزيّة ـ فهي صحيحة ، ودليلها : أنّ هذا الترخيص إمّا حكم واقعيّ ، أو حكم ظاهريّ ، والأوّل مستحيل ؛ لأنّ التكليف الواقعيّ مقطوع به ، فإذا ثبتت أيضاً إباحة واقعيّة لزم اجتماع الضدّين ؛ لِمَا تقدّم من التنافي والتضادّ بين الأحكام التكليفية الواقعية.

۴۷۲۱