فربّ من لا يحصل له باشتغاله بالعلم إلاّ شيء قليل لا يترتّب عليه كثير فائدة ، ويترتّب على اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة ، منها : تكفّل أحوال المشتغلين من ماله أو مال أقرانه من التجار المخالطين معه على وجه الصلة أو الصدقة الواجبة والمستحبّة ، فيحصل بذلك ثواب الصدقة وثواب الإعانة الواجبة أو المستحبّة على تحصيل العلم.
وربّ من يحصّل بالاشتغال مرتبةً عاليةً من العلم يُحيي بها فنون علم الدين ، فلا يحصل له من كسبه إلاّ قليل من الرزق ؛ فإنّه لا إشكال في أنّ اشتغاله بالعلم والأكل من وجوه الصدقات أرجح. وما ذكر من حديث داود على نبيّنا وآله وعليه السلام (١) فإنّما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب لشيء من وظائف النبوّة والرياسة العلميّة.
وبالجملة ، فطلب كلٍّ من العلم والرزق إذا لوحظ المستحبّ منهما من حيث النفع العائد إلى نفس الطالب كان طلب العلم أرجح ، وإذا لوحظ من جهة النفع الواصل إلى الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع الواصل.
فثبت من ذلك كلّه : أنّ تزاحم هذين المستحبّين كتزاحم سائر المستحبّات المتنافية ، كالاشتغال بالاكتساب أو طلب العلم الغير الواجبين مع المسير إلى الحجّ (٢) أو إلى مشاهد الأئمة عليهمالسلام ، أو مع السعي في قضاء حوائج الإخوان الذي لا يجامع طلب العلم أو المال الحلال ، إلى غير ذلك ، ممّا لا يحصى.
__________________
(١) ذكره في الصفحة ٣٤٢.
(٢) في «ش» كتب فوق «الحجّ» : المستحبّ.