درس مکاسب - بیع

جلسه ۳۲۹: تنبیهات بیع ۲

مرتضوی
استاد
مرتضوی
 
۱

خطبه

۲

جواب حدائق در مقام جمع بین دو طائفه روایات

در این مباحثه دو مطلب بیان شده است:

مطلب اول جواب اول صاحب حدائق در مقام جمع بین دو طائفه از روایات می‌باشد. حاصل وجه جمع این است که روایاتی که دلالت بر طلب اکتساب می‌کند. در مورد اهل علم تخصیص زده بشود بأن یقال که کار کردن بر همه واجب است یا مستحب است. مگر خصوص اهل علم که کار کردن بر آنها واجب نمی‌باشد یا مستحب نمی‌باشد و کار آنها فقط تحصیل علم است.

صاحب حدائق استشهاد به کلام شهید و بعض روایات کرده است که حاصل این است که رزق اهل علم را خداوند متکفّل است لذا اهل علم باید توکّل و امید به خداوند داشته باشند.

در این وجه مرحوم شیخ مناقشه دارد حاصل آن این است که اثبات کار نکردن اهل علم و اینکه درس خواندن برای آنها ارجح و افضل است. این مدّعا که درس خواندن افضل از کار کردن است درست می‌باشد. ولی این دو دلیل قاصره الشمول است. توکل بر خدا منافات با کار کردن ندارد. این ادله لزوم توکل و قطع امید از دیگران را می‌گوید. فاذن این دو دلیل مطلب دیگری را می‌خواهد بگوید.

مطلب دوم در واقع جواب دوم صاحب حدائق از این کلام است. حاصل آن این است که کار کردن احکام خمسه دارد. کار کردن واجب و مستحب و حرام و... درس خواندن هم احکام خمسه دارد. لذا در مقام مزاحمت باید اهم و مهم کرد اهم تقدّم دارد. راه دفع تعارض به این ترتیب است. انمّا الکلام در ما هو الغالب که هر دو مستحب باشد. در کل این موارد دو جور بررسی می‌شود یکی اینکه ما هو الارجح برای این شخص چه می‌باشد و یکی اینکه ما هو الارجح برای مسلمین چه می‌باشد؟

۳

تطبیق جواب حدائق در مقام جمع بین دو طائفه روایات

وذكر في الحدائق: أنّ الجمع بينهما بأحد وجهين:

أحدهما وهو الأظهر بين علمائنا ـ : تخصيص أخبار وجوب طلب الرزق بأخبار وجوب طلب العلم، ويقال بوجوب ذلك على غير طالب العلم المشتغل بتحصيله واستفادته وتعليمه وإفادته. قال: وبهذا الوجه صرّح الشهيد الثاني رحمه‌الله في رسالته المسمّاة ب «منية المريد في آداب المفيد والمستفيد» حيث قال في جملة شرائط العلم:

وأن يتوكّل على الله ويفوّض أمره إليه، ولا يعتمد على الأسباب فيوكل إليها وتكون وبالاً عليه، ولا على أحدٍ من خلق الله تعالى، بل يلقي مقاليد أمره إلى الله تعالى، يظهر له من نفحات قدسه ولحظات أُنسه ما به يحصل مطلوبه ويصلح به مراده. وقد ورد في الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الله تعالى قد تكفّل لطالب العلم برزقه عمّا ضمنه لغيره» بمعنى: أنّ غيره يحتاج إلى السعي على الرزق حتّى يحصل له، وطالب العلم لا يُكلَّف بذلك بل بالطلب، وكفاه مئونة الرزق إن أحسن النيّة، وأخلص القربة. وعندي في ذلك من الوقائع ما لو جمعته [بلغ] ما لا يعلمه إلاّ الله من حسن صنع الله تعالى [وجميل معونته منذ] ما اشتغلت بالعلم، وهو مبادي عشر الثلاثين وتسعمائة إلى يومنا هذا، وهو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة. وبالجملة، ليس الخبر كالعيان. وروى شيخنا المقدّم محمّد بن يعقوب الكليني قدس‌سره بإسناده إلى الحسين بن علوان، قال: كنّا في مجلسٍ نطلب فيه العلم، وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعض أصحابي: من تؤمّل لما قد نزل بك؟ فقلت: فلاناً، فقال: إذاً والله لا تسعف بحاجتك ولا تبلغ أملك ولا تنجح طلبتك! قلت: وما عِلمُك رحمك الله؟ قال: إنّ أبا عبد الله عليه‌السلام حدّثني: أنّه قرأ في بعض كتبه: «إنّ الله تبارك وتعالى يقول: وعزّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي لأقطعنّ أمل كلِّ مؤمّل غيري باليأس، ولأكسونَّه ثوب المذلّة عند الناس، ولأُنحينّه من قربي، ولأُبعّدنّه من وصلى، أيُؤَمِّلُ غيري في الشدائد والشدائد بيدي؟! ويرجو غيري ويقرع باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلّقة، وبابي مفتوح لمن دعاني، فمن ذا الذي أمّلني لنوائبه فقطعته دونها؟ ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه منّي؟ جعلت آمال عبادي عندي محفوظة، فلم يرضوا بحفظي، وملأت سماواتي ممّن لا يملّ من تسبيحي، وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي، فلم يثقوا بقولي. ألم يعلم من طَرَقَتْه نائبة من نوائبي أنّه لا يملك كشفها أحد غيري إلاّ مِن بعد إذني، فما لي أراه لاهياً عنّي؟ أعطيته بجودي ما لم يسألني، ثمّ انتزعته عنه فلم يسألني ردّه وسأل غيري، أفتراني أبدأ بالعطايا قبل المسألة ثمّ اسأل فلا أُجيب سائلي؟ أبخيل أنا فيبخّلني عبدي؟ أوَليس الجود والكرم لي؟ أوَليس العفو والرحمة بيدي؟ أوَليس أنا محلّ الآمال، فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشى المؤمّلون أن يؤمّلوا غيري؟ فلو أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أمّلوا جميعاً ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة، وكيف ينقص مُلْكٌ أنا قيّمه؟ فيا بؤساً للقانطين من رحمتي! ويا بؤساً لمن عصاني ولم يراقبني!» انتهى الحديث الشريف، وانتهى كلام شيخنا الشهيد رحمه‌الله.

قال في الحدائق: ويدلّ على ذلك بأصرح دلالة ما رواه في الكافي بإسناده إلى أبي إسحاق السبيعي عمّن حدّثه، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول: «أيّها الناس، إنّ كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إنّ المال مقسوم مضمون لكم قد قسّمه عادل بينكم وضمنه لكم، وسَيَفي لكم، والعلم مخزون عند أهله، وقد أُمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه.. الخبر».

قال: ويؤكّده ما رواه في الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: «يقول الله عزّ وجلّ: وعزّتي وجلالي وكبريائي ونوري، وعظمتي وعُلُوِّي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلاّ استحفظته ملائكتي، وكفّلت السماوات والأرضين رزقه، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر، فتأتيه الدنيا وهي راغمة. انتهى كلامه.

وأنت خبير بأنّ ما ذكره من كلام الشهيد رحمه‌الله وما ذكره من الحديث القدسي لا ارتباط له بما ذكر من دفع التنافي بين أدلّة الطرفين؛ لأنّ ما ذكر من التوكّل على الله وعدم ربط القلب بغيره لا ينافي الاشتغال بالاكتساب؛ ولذا كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى أخيه وزوجته وولديه وذرّيته جامعاً بين أعلى مراتب التوكّل وأشدّ مشاقّ الاكتساب، وهو الاستقاء لحائط اليهودي، وليس الشهيد أيضاً في مقام أنّ طلب العلم أفضل من التكسّب وإن كان أفضل، بل في مقام أنّ طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم فليكن منقطعاً عن الأسباب الظاهرة الموجودة غالباً لطلاّب العلوم من الوظائف المستمرّة من السلاطين، والحاصلة من الموقوفات للمدارس وأهل العلم، والموجودة الحاصلة غالباً للعلماء والمشتغلين من معاشرة السلطان وأتباعه والمراودة مع التجار والأغنياء والعلماء الذين لا ينتفع منهم إلاّ بما في أيديهم من وجوه الزكوات وردّ المظالم والأخماس وشبه ذلك، كما كان ذلك متعارفاً في ذلك الزمان، بل في كلّ زمان، فربما جعل الاشتغال بالعلم بنفسه سبباً للمعيشة من الجهات التي ذكرناها.

وبالجملة، فلا شهادة فيما ذكر من كلام الشهيد رحمه‌الله من أوّله إلى آخره وما أضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور، أعني: تخصيص أدلّة طلب الحلال بغير طالب العلم.

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ كلاّ من طلب العلم وطلب الرزق ينقسم إلى الأحكام الأربعة أو الخمسة.

ولا ريب أنّ المستحبّ من أحدهما لا يزاحم الواجب، ولا الواجب الكفائي الواجب العيني. ولا إشكال أيضاً في أنّ الأهمّ من الواجبين العينيّين مقدّم على غيره؛ وكذا الحكم في الواجبين الكفائيّين مع ظنّ قيام الغير به. وقد يكون كسب الكاسب مقدّمة لاشتغال غيره بالعلم، فيجب أو يستحبّ مقدّمة.

ما هو المستحبّ من الامرين عند عدم امكان الجمع بينهما

بقي الكلام في المستحبّ من الأمرين عند فرض عدم إمكان الجمع بينهما، ولا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المرتّبة على الأمرين.

فربّ من لا يحصل له باشتغاله بالعلم إلاّ شي‌ء قليل لا يترتّب عليه كثير فائدة، ويترتّب على اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة، منها: تكفّل أحوال المشتغلين من ماله أو مال أقرانه من التجار المخالطين معه على وجه الصلة أو الصدقة الواجبة والمستحبّة، فيحصل بذلك ثواب الصدقة وثواب الإعانة الواجبة أو المستحبّة على تحصيل العلم.

وربّ من يحصّل بالاشتغال مرتبةً عاليةً من العلم يُحيي بها فنون علم الدين، فلا يحصل له من كسبه إلاّ قليل من الرزق؛ فإنّه لا إشكال في أنّ اشتغاله بالعلم والأكل من وجوه الصدقات أرجح. وما ذكر من حديث داود على نبيّنا وآله وعليه السلام فإنّما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب لشي‌ء من وظائف النبوّة والرياسة العلميّة.

بين أدلّة طلب مطلق العلم ، الشامل لمعرفة مسائل العبادات وأنواع المعاملات المتوقّف على الاجتهاد ، وبين أدلّة طلب الاكتساب والاشتغال في تحصيل المال لأجل الإنفاق على من ينبغي أن ينفق عليه ، وترك إلقاء كَلِّه على الناس الموجب لاستحقاق اللعن ، فإنّ الأخبار من الطرفين كثيرة.

أخبار طلب الاكتساب

يكفي في طلب الاكتساب ما ورد : من أنّه «أوحى الله تعالى إلى داود على نبيّنا وآله وعليه السلام : يا داود إنّك نِعْم العبد لولا أنّك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئاً. فبكى عليه‌السلام أربعين صباحاً ثمّ ألان الله تعالى له الحديد ، وكان يعمل كلّ يوم درعاً ويبيعه بألف درهم ، فعمل ثلاثمائة وستّين درعاً فباعها واستغنى عن بيت المال .. الحديث» (١). وما أرسله في الفقيه عن الصادق عليه‌السلام : «ليس منّا من ترك دنياه لآخرته ، أو آخرته لدنياه» (٢) ، وأنّ «العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال» (٣).

أخبار طلب العلم

وأمّا الأخبار في طلب العلم وفضله فهي أكثر من أن تذكر ، وأوضح من أن تحتاج إلى الذكر.

ما ذكره في الحدائق في وجه الجمع بينهما

وذكر في الحدائق : أنّ الجمع بينهما بأحد وجهين :

أحدهما وهو الأظهر بين علمائنا ـ : تخصيص أخبار وجوب طلب الرزق بأخبار وجوب طلب العلم ، ويقال بوجوب ذلك على‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٢٢ ، الباب ٩ من أبواب مقدّمات التجارة ، الحديث ٣.

(٢) الفقيه ٣ : ١٥٦ ، الحديث ٣٥٦٨ ، والوسائل ١٢ : ٤٩ ، الباب ٢٨ من أبواب مقدّمات التجارة ، الحديث الأوّل.

(٣) الوسائل ١٢ : ١١ ، الباب ٤ من أبواب مقدّمات التجارة ، الحديث ٦.

كلام الشهيد في وجه الجمع

غير طالب العلم المشتغل بتحصيله (١) واستفادته وتعليمه وإفادته. قال : وبهذا الوجه صرّح الشهيد الثاني رحمه‌الله في رسالته المسمّاة ب «منية المريد في آداب المفيد والمستفيد» حيث قال في جملة شرائط العلم :

وأن يتوكّل على الله ويفوّض أمره إليه ، ولا يعتمد على الأسباب فيوكل إليها (٢) وتكون (٣) وبالاً عليه ، ولا على أحدٍ من خلق الله تعالى ، بل يلقي مقاليد أمره إلى الله تعالى ، يظهر له من نفحات قدسه ولحظات أُنسه ما به يحصل مطلوبه ويصلح به مراده. وقد ورد في الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الله تعالى قد تكفّل لطالب العلم برزقه عمّا ضمنه لغيره» بمعنى : أنّ غيره يحتاج إلى السعي على الرزق حتّى يحصل له ، وطالب العلم لا يُكلَّف بذلك بل بالطلب ، وكفاه مئونة الرزق إن أحسن النيّة ، وأخلص القربة. وعندي في ذلك من الوقائع ما لو جمعته [بلغ (٤)] ما لا يعلمه إلاّ الله من حسن صنع الله تعالى [وجميل معونته منذ (٥)] ما اشتغلت بالعلم ، وهو مبادي عشر الثلاثين وتسعمائة إلى يومنا هذا ، وهو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة. وبالجملة ، ليس الخبر كالعيان. وروى شيخنا المقدّم محمّد بن يعقوب الكليني قدس‌سره بإسناده إلى الحسين بن علوان ، قال : كنّا في مجلسٍ نطلب‌

__________________

(١) في «ف» : «المستقلّ بتحصيله» ، وفي سائر النسخ : «المستقل تحصيله» ، وما أثبتناه من المصدر ومصحّحة «ن».

(٢) في النسخ : فيتوكّل عليها ، والصواب ما أثبتناه من المصدر.

(٣) كذا في «ن» والمصدر ، وفي سائر النسخ : «ويكون» ، وفي بعضها : فيكون.

(٤) من المصدر.

(٥) من المصدر.

فيه العلم ، وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار ، فقال لي بعض أصحابي : من تؤمّل لما قد نزل بك؟ فقلت : فلاناً ، فقال : إذاً والله لا تسعف بحاجتك ولا تبلغ أملك ولا تنجح طلبتك! قلت : وما عِلمُك رحمك الله؟ قال : إنّ أبا عبد الله عليه‌السلام حدّثني : أنّه قرأ في بعض كتبه : «إنّ الله تبارك وتعالى يقول : وعزّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي (١) على عرشي لأقطعنّ أمل كلِّ مؤمّل غيري باليأس ، ولأكسونَّه ثوب المذلّة عند الناس ، ولأُنحينّه من قربي ، ولأُبعّدنّه من وصلى ، أيُؤَمِّلُ غيري في الشدائد والشدائد بيدي؟! ويرجو غيري ويقرع باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلّقة ، وبابي مفتوح لمن دعاني ، فمن ذا الذي أمّلني لنوائبه فقطعته دونها؟ ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه منّي؟ جعلت آمال عبادي عندي محفوظة ، فلم يرضوا بحفظي ، وملأت سماواتي ممّن لا يملّ من تسبيحي ، وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي ، فلم يثقوا بقولي. ألم يعلم من طَرَقَتْه نائبة من نوائبي أنّه لا يملك كشفها أحد غيري إلاّ مِن بعد إذني ، فما لي أراه لاهياً عنّي؟ أعطيته بجودي ما لم يسألني ، ثمّ انتزعته عنه (٢) فلم يسألني ردّه وسأل غيري ، أفتراني أبدأ بالعطايا قبل المسألة ثمّ اسأل فلا أُجيب سائلي؟ أبخيل أنا فيبخّلني عبدي؟ أوَليس الجود والكرم لي؟ أوَليس العفو والرحمة بيدي؟ أوَليس أنا محلّ الآمال ، فمن يقطعها دوني؟

__________________

(١) كذا في «ص» والحدائق ومنية المريد والكافي ، وفي النسخ : «وارتفاع مكاني».

(٢) في غير «ف» : منه.

أفلا يخشى (١) المؤمّلون أن يؤمّلوا غيري؟ فلو أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أمّلوا جميعاً ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة ، وكيف ينقص مُلْكٌ أنا قيّمه؟ فيا بؤساً للقانطين من رحمتي! ويا بؤساً لمن عصاني ولم يراقبني!» انتهى الحديث الشريف ، وانتهى كلام شيخنا الشهيد رحمه‌الله (٢).

كلام صاحب الحدائق

قال في الحدائق : ويدلّ على ذلك بأصرح دلالة ما رواه في الكافي بإسناده إلى أبي إسحاق السبيعي عمّن حدّثه ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «أيّها الناس ، إنّ كمال الدين طلب العلم والعمل به ، ألا وإنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، إنّ المال مقسوم مضمون لكم قد قسّمه عادل بينكم وضمنه لكم ، وسَيَفي لكم ، والعلم مخزون عند أهله ، وقد أُمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه .. الخبر» (٣).

قال : ويؤكّده ما رواه في الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يقول الله عزّ وجلّ : وعزّتي وجلالي وكبريائي ونوري ، وعظمتي وعُلُوِّي وارتفاع مكاني (٤) لا يؤثر عبد هواي على هواه إلاّ استحفظته ملائكتي ، وكفّلت السماوات والأرضين‌

__________________

(١) كذا في «ف» و «خ» ونسخة بدل بعض النسخ ، وفي سائر النسخ : أفلا يستحي.

(٢) منية المريد : ٦٢ ٦٣ ، وراجع الكافي ٢ : ٦٦ ، الحديث ٧.

(٣) الكافي ١ : ٣٠ ، الحديث ٤.

(٤) في الحدائق والكافي بعد القسم : لا يؤثر عبد هواه على هواي إلاّ شتّتّ عليه أمره ، ولبّست عليه دنياه وشغلت قلبه بها ، ولم اوته منها إلاّ ما قدّرت له ، وعزّتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوّي وارتفاع مكاني .. إلخ.

رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر ، فتأتيه الدنيا وهي راغمة (١) (٢). انتهى كلامه (٣).

المناقشة فيما أفاده صاحب الحدائق

وأنت خبير بأنّ ما ذكره من كلام الشهيد رحمه‌الله وما ذكره من الحديث القدسي لا ارتباط له بما ذكر من دفع التنافي بين أدلّة الطرفين ؛ لأنّ ما ذكر (٤) من التوكّل على الله وعدم ربط القلب بغيره (٥) لا ينافي الاشتغال بالاكتساب ؛ ولذا كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى أخيه وزوجته وولديه وذرّيته جامعاً بين أعلى مراتب التوكّل وأشدّ مشاقّ الاكتساب ، وهو الاستقاء لحائط اليهودي (٦) ، وليس الشهيد أيضاً في مقام أنّ طلب العلم أفضل من التكسّب وإن كان أفضل ، بل في مقام أنّ طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم فليكن منقطعاً عن الأسباب الظاهرة الموجودة غالباً لطلاّب العلوم من الوظائف المستمرّة‌

__________________

(١) كذا في المصدر ، ولكن في النسخ : «زاعمة» ، وقال المامقاني بعد أن أثبتها بالزاي والعين المهملة ـ : في نسخة من الحدائق وفي الوسائل المصحّحة على خطّ المؤلف «راغمة» بالراء المهملة والعين المعجمة ، ومعنى الكلمة حينئذٍ : «ذليلة منقادة» (غاية الآمال : ٤٧٨).

(٢) في النسخ زيادة : «الحديث» ، والظاهر أنّه لا وجه لها ، لأنّ الحديث مذكور بتمامه ، راجع الكافي ٢ : ٣٣٥ ، الحديث ٢.

(٣) الحدائق ١٨ : ٩ ١٢.

(٤) في «ص» : ما ذكره.

(٥) في غير «ص» ومصحّحة «ن» : لغيره.

(٦) كما نقله ابن أبي الحديد في مقدّمة شرحه لنهج البلاغة ١ : ٢٢ ، وعنه البحار ٤١ : ١٤٤.

من السلاطين ، والحاصلة من الموقوفات للمدارس وأهل العلم ، والموجودة الحاصلة غالباً للعلماء والمشتغلين من معاشرة السلطان وأتباعه والمراودة مع التجار والأغنياء والعلماء الذين لا ينتفع منهم إلاّ بما في أيديهم من وجوه الزكوات وردّ المظالم والأخماس وشبه ذلك ، كما كان ذلك (١) متعارفاً في ذلك الزمان ، بل في كلّ زمان ، فربما جعل الاشتغال بالعلم بنفسه سبباً للمعيشة من الجهات التي ذكرناها.

وبالجملة ، فلا شهادة فيما ذكر من كلام الشهيد رحمه‌الله من أوّله إلى آخره وما أضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور ، أعني : تخصيص أدلّة طلب الحلال بغير طالب العلم.

رأي المصنّف في وجه الجمع

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ كلاّ من طلب العلم وطلب الرزق ينقسم إلى الأحكام الأربعة أو الخمسة.

ولا ريب أنّ المستحبّ من أحدهما لا يزاحم الواجب ، ولا الواجب الكفائي الواجب العيني. ولا إشكال أيضاً في أنّ الأهمّ من الواجبين العينيّين (٢) مقدّم على غيره ؛ وكذا الحكم في الواجبين الكفائيّين مع ظنّ قيام الغير به. وقد يكون كسب الكاسب مقدّمة لاشتغال غيره بالعلم ، فيجب أو يستحبّ مقدّمة.

ما هو المستحبّ من الامرين عند عدم امكان الجمع بينهما

بقي الكلام في المستحبّ من الأمرين عند فرض عدم إمكان الجمع بينهما ، ولا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المرتّبة على الأمرين.

__________________

(١) لم ترد «ذلك» في غير «ف».

(٢) في غير «ف» : المعينين.

فربّ من لا يحصل له باشتغاله بالعلم إلاّ شي‌ء قليل لا يترتّب عليه كثير فائدة ، ويترتّب على اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة ، منها : تكفّل أحوال المشتغلين من ماله أو مال أقرانه من التجار المخالطين معه على وجه الصلة أو الصدقة الواجبة والمستحبّة ، فيحصل بذلك ثواب الصدقة وثواب الإعانة الواجبة أو المستحبّة على تحصيل العلم.

وربّ من يحصّل بالاشتغال مرتبةً عاليةً من العلم يُحيي بها فنون علم الدين ، فلا يحصل له من كسبه إلاّ قليل من الرزق ؛ فإنّه لا إشكال في أنّ اشتغاله بالعلم والأكل من وجوه الصدقات أرجح. وما ذكر من حديث داود على نبيّنا وآله وعليه السلام (١) فإنّما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب لشي‌ء من وظائف النبوّة والرياسة العلميّة.

وبالجملة ، فطلب كلٍّ من العلم والرزق إذا لوحظ المستحبّ منهما من حيث النفع العائد إلى نفس الطالب كان طلب العلم أرجح ، وإذا لوحظ من جهة النفع الواصل إلى الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع الواصل.

فثبت من ذلك كلّه : أنّ تزاحم هذين المستحبّين كتزاحم سائر المستحبّات المتنافية ، كالاشتغال بالاكتساب أو طلب العلم الغير الواجبين مع المسير إلى الحجّ (٢) أو إلى مشاهد الأئمة عليهم‌السلام ، أو مع السعي في قضاء حوائج الإخوان الذي لا يجامع طلب العلم أو المال الحلال ، إلى غير ذلك ، ممّا لا يحصى.

__________________

(١) ذكره في الصفحة ٣٤٢.

(٢) في «ش» كتب فوق «الحجّ» : المستحبّ.