أمّا الأوّل : فلأن التحليل ليس بتمليك ولا تزويج ، وإنما هو إباحة يشبه العارية في غير مورد التحليل وبذلك يكون مخصصاً لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ (١).
على أنه لا دليل على عدم أهلية العبد للملك ، بل الدليل ثابت على خلافه ، غاية الأمر أنه محجور عليه ، حيث لا يجوز له التصرف إلّا بإذن مولاه.
وأما الثاني ، فلمعارضتها بما ورد في تفريق المولى بين العبد وزوجته الأمة ، من أنه يأمره بالاعتزال وتعتدّ من العبد ، ثمّ له أن يطأها بعد ذلك إن شاء ، وإن شاء ردّها إلى العبد بغير تزويج.
كصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألتُ أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزّ وجلّ ﴿وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ﴾ قال : «هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته ، فيقول له : اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثمّ يحبسها عنه حتى تحيض ثمّ يمسّها ، فإذا حاضت بعد مسّه إياها ردّها عليه بغير نكاح» (٢). فإنها ظاهرة في كون ردّها إليه بالتحليل ، إذ إن النكاح الأوّل قد بطل بأمره باعتزالها والذي هو بمنزلة الطلاق ، والمفروض أنه لا نكاح جديد ، فينحصر الأمر بالتحليل لا محالة. وبذلك تتساقطان ، ويكون المرجع بعد ذلك هو إطلاقات ما دلّ على جواز التحليل من غير تقييد.
هذا وقد حمل بعض الأصحاب صحيحة علي بن يقطين على التقية ، وهو غير بعيد ، باعتبار أن العامّة لا يرون جواز التحليل مطلقاً.
ثمّ أنّ في المقام رواية تتضمن التفصيل بين تعيين المحلّلة وعدمه ، هي رواية الفضيل مولى راشد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : لمولاي في يدي مال ، فسألته أن يحلّ لي ما اشتري من الجواري ، فقال : إن كان يحلّ لي أن أحلّ لك فهو لك حلال فقال : «إن أحلّ لك جارية بعينها فهي لك حلال ، وإن قال : اشتر منهنّ ما شئت ، فلا
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٢٣ : ٥ ٦.
(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٥ ح ١.