إذن فالمستفاد من هذه الآية الكريمة وغيرها والنصوص الواردة في المقام ، أن الوصيّة نافذة ولازمة على الإطلاق ومن غير اعتبار لقبول الموصى له ، حيث لم يذكر ذلك في شي‌ء من الآيات والروايات ، ومعه فلا تصل النوبة إلى الأصل.

ثمّ إنه ربّما يستدلّ على اعتبار القبول بما دلّ على سلطنة الناس على أنفسهم ، حيث إن دخول شي‌ء في ملكه قهراً وبغير اختياره ينافي هذه السلطنة ، وثبوت مثله في الإرث والوقف إنما كان بدليل خاص ، فلا مجال للتعدي عنه.

إلّا أنه مدفوع أن هذه الجملة وإن وردت في كلمات الفقهاء ، إلّا أنها لم تذكر في شي‌ء من النصوص ، ولم يدلّ عليها دليل.

اللهمّ إلّا أن يتمسك لها بقوله تعالى ﴿قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلّا نَفْسِي وَأَخِي (١).

إلّا أن الاستدلال بها يعتبر من الغرائب ، فإنّها في مقام بيان قدرة موسى عليه‌السلام على تنفيذ أمر الله تبارك وتعالى ، وأنه لا قدرة له إلّا على نفسه وأخيه دون سائر بني إسرائيل ، وأين هذا من محلّ كلامنا؟! فالآية أجنبية عن السلطنة على النفس ، ولا يصحّ الاستدلال بها.

على أنا لو فرضنا ورود هذه الجملة في نص معتبر ، فهي لا تدلّ على اعتبار القبول كما هو المدعى ، إذ يكفي في السلطنة قدرته على الرد ، فإنه حينئذ لا تكون الملكية ملكية قهرية ، ولا تنافي سلطنته على نفسه.

نعم ، لو قيل بثبوت الملكية المستقرة غير القابلة للزوال بالرد ، كان هذا القول منافياً لقاعدة السلطنة بناءً على ثبوتها ، إلّا أنها لا قائل بها ولم يذهب إليها أحد ، فإن القائل بعدم اعتبار القبول يرى اعتبار عدم الرد في حصول الملكية لا محالة.

ثمّ إن من غرائب ما ورد في المقام ما استدل به بعضهم على اعتبار القبول ، بأن اعتبار عدم الرد في ملكية الموصى له للموصى به ، ملازم ومساوق لاعتبار القبول. وذلك لأنه لو لم يكن الأمر كذلك ، وكان الموصى له يملك الموصى به بمجرد الموت ، لم يمكنه بالرد إرجاعه إلى ملك الميت ثانياً ، لعدم ثبوت ولاية له تقتضي ذلك.

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٢٥.

۳۸۵