المتعارضين ، وهذا مستحيل ؛ لأنّ هذين الدليلين كلّ واحدٍ منهما يكذّب الآخر فكيف يطلب الشارع منّا أن نصدّق المكذِّب (بالكسر) والمكذَّب (بالفتح) معاً؟!
فإن قلت : إنّ الحجّيّة لاتطلب منّا تصديق الدليل بمعنى الاقتناع الوجداني به ، بل تصديقه بمعنى العمل على طبقه وجعله منجّزاً ومعذّراً.
قلت : نعم ، الأمر كذلك ، غير أنّ التصديق العمليّ بالمتكاذبَين غير ممكنٍ أيضاً ، فدليل الحرمة معنى حجّيّته الجري على أساس أنّ هذا حرام وتنجّز الحرمة علينا ، والدليل المعارض يكذّبه وينفي الحرمة ، ومعنى حجّيّته الجري على أساس أنّ هذا ليس بحرامٍ وإطلاق العنان والتأمين من ناحية الحرمة ، ولا يمكن أن تجتمع هاتان الحجّيّتان.
الافتراض الثاني : أن يكون الشارع قد جعل الحجّيّة لكلٍّ منهما ، ولكنّها حجّيّة مشروطة بعدم الالتزام بالآخر ، فهناك حجّيّتان مشروطتان ، فإذا التزم المكلّف بأحد الدليلين لم يكن الآخر حجّةً عليه ، بل الحجّة عليه ما التزم به خاصّة.
وهذا غير معقولٍ أيضاً ، إذ في حالة عدم التزام المكلّف بكلٍّ من الدليلين يكون كلّ منهما حجّةً عليه ، فيعود محذور الافتراض الأوّل وهو ثبوت الحجّيّة للمكذَّب والمكذِّب ـ بالفتح وبالكسر ـ في وقتٍ واحد.
الافتراض الثالث : أن يكون الشارع قد جعل الحجّيّة لأحدهما المعيّن ، بأن اختار أحد المتعارضين لميزةٍ في نظره فجعله حجّةً دون الآخر ، وهذا افتراض معقول.
الافتراض الرابع : أن يكون قد جعل حجّيّةً واحدةً تخييريّة ، بمعنى أنّه أوجب العمل والالتزام بمؤدّى أحد الدليلين ، فلابدّ للمكلّف : إمّا أن يلتزم بمفاد دليل الحرمة ـ مثلاً ـ فيبني على حرمة الفعل وتكون الحرمة منجّزةً عليه ، وإمّا أن