ومنها : أنّ «اصول الفقه» على الرغم من أنّه غيّر من المظهر العامّ لعلم الاصول ـ إذ قسّمه إلى أربعة أقسامٍ بدلاً عن قسمين ، وأدرج مباحث الاستلزامات والاقتضاءات في نطاق المباحث العقلية بدلاً عمّا درج عليه المؤلّفون من ذكرها ضمن مباحث الألفاظ ـ ولكنّ هذا لم يتجاوز التصرّف في كيفية تقسيم مجموعة المسائل الاصولية المطروحة في الكتب السابقة إلى مجاميع ، فقد صنِّفت في أربعة مجاميع ـ كما أشرنا ـ بدلاً عن مجموعتين ، ولم يمسَّ هذا التصرّف جوهر تلك المسائل ، ولم يستطع أن يكتشف ـ مثلاً ـ في مقدمات مسألة الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته مسائل اصوليةً لها استحقاقها الفنّي لأَنْ تُعرض كمسائل اصوليةٍ في نطاق الأدلّة العقلية. وهكذا اقتصر التغيير على المظهر ولم يتجاوزه إلى الجوهر.
ومنها : أنّ الكتاب لا تعبِّر بحوثه عن مستوىً واحدٍ من العطاء كيفاً وكمّاً ، أو عن مستوياتٍ متقاربة ، بل إنّ الكتاب في بعض مباحثه يتوسّع ويتعمّق ، بينما يختصر ويوجز في مباحث اخرى.
فلاحظ ـ مثلاً ـ ما يشتمل عليه من تحقيقٍ موسّعٍ في ما يتّصل باعتبارات الماهيّة في بحث المطلق والمقيّد ، وما يشتمل عليه من توسّعٍ وإطنابٍ في مباحث الحسن والقبح العقليّين ، وما يشتمل عليه من توسّعٍ كذلك في إثبات جريان الاستصحاب في موارد الشكّ في المقتضي ، بل الملحوظ في كثيرٍ من بحوث الكتاب أنّه لا تنسيق بينها وبين بحوث الكفاية التي فرض منهجياً أن تكون بعده في الخطّ الدراسي ، فجملة من المسائل تعرض بنحوٍ أوسع ممّا في الكفاية وأعمق لا يبقى مبرّراً لدراسة المسألة نفسها من جديدٍ في الكفاية ، وجملة اخرى من المسائل تعرض موجزةً أو ساذجةً على نحوٍ يبقى للكفاية قدرتها على إعطاء المزيد أو التعميق.