والاجتهاد في مقابل الخبر الحسّيّ القائم على أساس المدارك الحسّيّة.
وكما يكون الخبر الحسّيّ ذا قيمةٍ احتماليّةٍ في إثبات مدلوله كذلك فتوى الفقيه بوصفها خبراً حدسيّاً يحتمل فيه الإصابة والخطأ معاً.
وكما أنّ تعدّد الإخبارات الحسّية يؤدّي بحساب الاحتمالات إلى نموّ احتمال المطابقة وضآلة احتمال المخالفة ، كذلك الحال في الإخبارات الحدسيّة ؛ حتّى تصل إلى درجةٍ توجب ضآلة احتمال الخطأ في الجميع جدّاً ، وبالتالي زوال هذا الاحتمال عمليّاً أو واقعيّاً. وهذا ما يسمّى بالإجماع.
فالإجماع والخبر المتواتر مشتركان في طريقة الإثبات بحساب الاحتمالات ، ويعتمد الكشف في كلٍّ منهما على هذا الحساب ، ولكنّهما يتفاوتان في درجة الكشف ، فإنّ نموّ الاحتمال الموافق وتضاؤل احتمال المخالفة أسرع حركةً في التواتر منه في الإجماع ؛ وذلك لعدّة امورٍ يمكن إبراز أهمّها في النقاط التالية :
الاولى : أنّ القيمة الاحتماليّة للمفردات في الإجماع أصغر من القيمة الاحتماليّة للمفردات في التواتر ؛ لأنّ نسبة وقوع الخطأ في الحدسيّات أكبر من نسبة وقوعه في الحسّيّات.
الثانية : أنّ الخطأ المحتمل في مفردات الإجماع لا يتعيّن أن يكون ذا مركزٍ واحد ، بينما يكون الخطأ في الأخبار الحسّية منصبّاً على مركزٍ واحدٍ عادةً. فحينما يفتي فقهاء عديدون بوجوب غسل الشعر في غسل الجنابة ويكونون على خطا ـ مثلاً ـ قد يكون خطأُ أحدِهم ناشئاً من اعتماده على روايةٍ غير تامّة السند ، وخطأُ الآخر ناشئاً من اعتماده على روايةٍ غير تامّة الدلالة ، وخطأُ الثالث ناشئاً من اعتماده على أصالة الاحتياط ، وهكذا. وكلّما كان المركز المحتمل للأخطاء المتعدّدة واحداً أو متقارباً كان احتمال تراكم الأخطاء عليه أضعف ، والعكس صحيح.
الثالثة : أنّ احتمال تأثير الخبر الأوّل في الخبر الثاني موجود في مجال الأخبار