وعلى ضوء ما ذكرناه نعرف أنّ ما يمكن الاستدلال به على إثبات حكمٍ شرعيٍّ هو السيرة المعاصرة للمعصومين ؛ لأنّها هي التي ينعقد لسكوت المعصوم عنها ظهور في الإمضاء دون السيرة المتأخّرة.
وقد يتوهّم : أنّ السيرة المتأخّرة معاصرة أيضاً للمعصوم وإن كان غائباً ، فيدلّ سكوته عنها على إمضائه ، وليست لدينا سيرة غير معاصرةٍ للمعصوم.
والجواب : على هذا التوهّم : أنّ سكوت المعصوم في غيبته لايدلّ على إمضائه ؛ لا على أساس العقل ولا على أساسٍ استظهاريّ.
أمّا الأوّل فلأ نّه غير مكلَّفٍ في حال الغيبة بالنهي عن المنكر وتعليم الجاهل ، وليس الغرض بدرجةٍ من الفعليّة تستوجب الحفاظ عليه بغير الطريق الطبيعيّ الذي سبّب الناس أنفسهم إلى سدِّه بالتسبيب إلى غيبته.
وأمّا الثاني فلأنّ الاستظهار مناطه حال المعصوم ، ومن الواضح أنّ حال الغيبة لا يساعد على استظهار الإمضاء من السكوت.
وعلى هذا يعرف أنّ كشف السيرة العقلائيّة عن إمضاء الشارع إنّما هو بملاك دلالة السكوت عنها على الإمضاء ، لا بملاك أنّ الشارع سيّد العقلاء وطليعتهم فما يصدق عليهم يصدق عليه ، كما يظهر من بعض الاصوليين (١) ؛ وذلك لأنّ كونه كذلك بنفسه يوجب احتمال تميّزه عنهم في بعض المواقف ، وتخطئته لهم في غير ما يرجع إلى المدركات السليمة الفطريّة لعقولهم ، كما هو واضح.
__________________
(١) انظر نهاية الدراية ٣ : ٣٤٤