يكون مسؤولاً عن التكاليف المشكوكة ولو احتمل أهمّيتها بدرجةٍ كبيرة ، ويرى هؤلاء الأعلام أنّ العقل هو الذي يحكم بنفي المسؤولية ؛ لأنّه يدرك قبح العقاب من المولى على مخالفة المكلّف للتكليف الذي لم يصل إليه ، ولأجل هذا يطلقون على الأصل من وجهة نظرهم اسم «قاعدة قبح العقاب بلا بيان» ، أو «البراءة العقلية» ، أي أنّ العقل يحكم بأنّ عقاب المولى للمكلّف على مخالفة التكليف المشكوك قبيح ، وما دام المكلّف مأموناً من العقاب فهو غير مسؤولٍ ولا يجب عليه الاحتياط.
ويستشهد لذلك بما استقرَّت عليه سيرة العقلاء من عدم إدانة الموالي للمكلَّفين في حالات الشكّ ، وعدم قيام الدليل ، فإنّ هذا يدلّ على قبح العقاب بلا بيانٍ في نظر العقلاء.
ولكي ندرك أنّ العقل هل يحكم بقبح معاقبة الله تعالى للمكلّف على مخالفة التكليف المشكوك ، أوْ لا؟ يجب أن نعرف حدود حقّ الطاعة الثابت لله تعالى ، فإذا كان هذا الحقّ يشمل التكاليف المشكوكة التي يحتمل المكلّف أهمّيتها بدرجةٍ كبيرةٍ ـ كما عرفنا ـ فلا يكون عقاب الله للمكلّف إذا خالفها قبيحاً ؛ لأنّه بمخالفتها يفرِّط في حقّ مولاه فيستحقّ العقاب.
وأمّا ما استشهد به من سيرة العقلاء فلا دلالة له في المقام ، لأنّه إنّما يثبت أنّ حقّ الطاعة في الموالي العرفيِّين يختصّ بالتكاليف المعلومة ، وهذا لا يستلزم أن يكون حقّ الطاعة لله تعالى كذلك أيضاً ، إذ أيّ محذورٍ في التفكيك بين الحقّين والالتزام بأنّ أحدهما أوسع من الآخر؟!
فالقاعدة الأوّلية إذن هي أصالة الاحتياط.