وأما المقام الثاني : فبالنظر إلى الإطلاقات يجري ما مرّ ، لمشاركة الجوف مع السطح في انصرافها عنه ، فكما لا يتحقق التوجه إلى القبلة بحسب الصدق العرفي لمن صلى على سطحها حسبما عرفت ، فكذلك لا يتحقق لدى من صلى في جوفها بمناط واحد.

وأما بالنظر إلى الروايات ، فقد دلّ بعضها على المنع ، والبعض الآخر على الجواز ، ومقتضى الجمع العرفي الحمل على الكراهة.

ففي صحيح محمد بن مسلم المروي في الكافي والتهذيب عن أحدهما عليهما‌السلام « قال : لا تصلّ المكتوبة في الكعبة » (١).

وفي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا تصلّ المكتوبة في جوف الكعبة ، فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدخل الكعبة في حج ولا عمرة ، ولكنه دخلها في الفتح فتح مكة وصلى ركعتين بين العمودين ومعه أُسامة بن زيد » (٢).

وظاهرهما البطلان ، إلاّ أنّ بإزائهما موثق يونس بن يعقوب قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام حضرت الصلاة المكتوبة وأنا في الكعبة أفأُصلي فيها؟ قال : صلّ » (٣).

وقد حملها الشيخ على الضرورة ، والأُوليين على غيرها (٤) ، وبذلك جمع بينهما. ولكنه كما ترى ، إذ مع أنه جمع تبرعي عارٍ عن الشاهد بل من الحمل على الفرد النادر ، مخالف للظاهر جدّاً ، فإنّ المنسبق منها السؤال عن الصلاة جوف الكعبة أوّل الوقت ، وحينما حضرت المكتوبة ، فهي ناظرة إلى البدار حال الاختيار ، فالحمل على صورة الاضطرار كالمحبوس في تمام الوقت بعيد‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٣٦ / أبواب القبلة ب ١٧ ح ١ ، الكافي ٣ : ٣٩١ / ١٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧٦ / ١٥٦٤.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٣٧ / أبواب القبلة ب ١٧ ح ٣ ، ٦.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٣٧ / أبواب القبلة ب ١٧ ح ٣ ، ٦.

(٤) الاستبصار ١ : ٢٩٩.

۳۹۰۱