الاُولى المفصولة ; لأنه إذا ذكر أن الشارب ليس منه اقتضى مفهومه أن (مَن لم يطعمه) منه ، فكان الفصل به كلا فصل.
الجهة الثانية : أن يراعي المعرب معنى صحيحاً ، ولا ينظر في صحته في الصناعة ، فلنذكر أمثلة من ذلك :
أحدها : قول بعضهم في ﴿وَثَمُودَ فَما أَبْقى﴾ (النجم / ٥١) : إن «ثموداً» مفعول مقدم ، وهذا ممتنع ; لأن لـ «ما» النافية الصدر ; فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وإنما هو معطوف على «عاداً» ، أو هو بتقدير : وأهلك ثموداً.
الثاني : تعليق بعضهم الظرف من قوله تعالى : ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ﴾ (النساء / ٨٣) ، بمحذوف ، أي : كائن عليكم ، وذلك ممتنع عند الجمهور ، وإنما هو متعلق بالمذكور وهو الفضل ; لأن خبر المبتدأ بعد «لولا» واجب الحذف.
الثالث : قول بعضهم في ﴿وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ﴾ (البقرة / ٩٦) : إن «هو» ضمير الشأن ، و «أن يعمر» مبتدأ و «بمزحزحه» خبر ، ولو كان كذلك لم يدخل الباء في الخبر.
الجهة الثالثة : أن يخرّج على مالم يثبت في العربية ، وذلك إنما يقع عن جهل أو غفلة ، نحو قول يعضهم في ﴿وَمالَنا أَنْ لا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ (البقرة / ٢٤٦) : إن الأصل : ومالنا وأن لا نقاتل أي : مالنا وترك القتال كما تقول : «مالك وزيداً» ، ولم يثبت في العربية حذف واو المفعول معه.
الجهة الرابعة : أن يخرّج على الاُمور البعيدة والأوجه الضعيفة ، ويترك الوجه القريب والقوي ، نحو قول جماعة في ﴿وَقِيلِهِ﴾ (الزخرف / ٨٨) : إنه عطف على لفظ ﴿السّاعَةِ﴾ (الزخرف / ٨٥) ، فيمن خفض ، وعلى محلها فيمن نصب ، مع ما بينهما من التباعد.