ذِكْراً إنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الأرْضِ﴾ (الكهف / ٨٣ و ٨٤) وقول أميرالمؤمنين عليهالسلام : «تجهزوا ، رحمكم الله» (١) ومنه جملة العامل الملغى ; لتأخره ، نحو : «زيد قائم أظن» فأما العامل الملغى لتوسطه نحو : «زيد أظن قائم» فجملته أيضاً لامحل لها ، إلا أنها من باب جمل الاعتراض.
ويخص البيانيون الاستئناف بما كان جواباً لسؤال مقدر نحو قوله تعالى : ﴿هَلْ أَتاك حَدِيثُ ضَيْفِ إبْراهِيمَ المُكْرَمِينَ إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقْالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ﴾ (الكهف / ٢٤ و ٢٥) فإن جملة القول الثانية جواب لسؤال مقدر تقديره : فماذا قال لهم؟ ولهذا فصلت عن الاُولى فلم تعطف عليها.
تنبيهات
الأول : من الاستئناف ما قد يخفى ، وله أمثلة كثيرة منها : ﴿لايَسَّمَّعُونَ﴾ من قوله تعالى : ﴿وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطان مارِد لايَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الاَعْلى﴾ (الصافات / ٧ و ٨) فإن الذي يتبادر إلى الذهن أنه صفة لـ «كل شيطان» أو حال منه ، وكلاهما باطل ; إذ لامعنى للحفظ من شيطان لايسمع ، وإنما هي للاستئناف النحوي ، ولايكون استئنافاً بيانياً لفساد المعنى أيضاً.
فإن قلت : اجعلها حالاً مقدرة ، أي : وحفظاً من كل شيطان مارد مقدراً عدم سماعه ، أي : بعد الحفظ.
قلنا : الذي يقدر وجود معنى الحال هو صاحبها ، كالممرور به في قولك : «مررت برجل معه صقر صائداً به غداً» أي : مقدراً حال المرور به أن يصيد به غداً ، والشياطين لايقدرون عدم السماع ولايريدونه.
__________________
١ ـ وبعده : «فقج نودي فيكم بالرحيل ...» نهج البلاغة : ط١٩٥ / ٦٥٤.