الجهة الثامنة : أن يحمل المعرب على شيء ، وفي ذلك الموضع ما يدفعه. وهذا أصعب من الذي قبله ، وله أمثله :
أحدها : قول الأخفش وتبعه أبوالبقاء في ﴿ولا الذين يموتون وهم كفّار﴾ (١) (النساء / ١٨) : إن اللام للابتداء ، والذين مبتدأ ، والجملة بعده خبره ، ويدفعه أن الرسم «ولا» ، وذلك يقتضي أنه مجرور بالعطف على (الذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) (النساء / ١٨) لا مرفوع بالابتداء ، والذي حملهما على الخروج عن ذلك الظاهر أن من الواضح أن الميت على الكفر لا توبة له ; لفوات زمن التكليف. ويمكن أن يدعى لهما أن الألف في «لا» زائدة كالألف في ﴿لاَ أَذْبَحَنَّهُ﴾ (النمل / ٢١) ; فإنها زائدة في الرسم ، وكذا في ﴿لاَ أَوْضَعُوا﴾ (التوبة / ٤٧) ، والجواب : أن هذه الجملة لم تذكر ليفاد معناها بمجرده بل ليسوى بينها وبين ما قبلها ، أي : إنه لا فرق في عدم الانتفاع بالتوبة بين من أخرها إلى حضور الموت وبين من مات على الكفر ، وحمل الرسم على خلاف الأصل مع إمكانه غير سديد.
الثانى : قول بعضهم في ﴿وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ (المطففين / ٣) : إن «هم» الاُولى ضمير رفع مؤكد للواو والثانية كذلك ، أو مبتدأ وما بعده خبره ، والصواب : أن «هم» مفعول فيهما ; لرسم الواو بغير ألف بعدها ، ولأن الحديث في الفعل لا في الفاعل ; إذالمعنى : إذا أخذوا من الناس استوفوا ، وإذا أعطوهم أخسروا ، وإذا جعلت الضمير لـ «المطففين» صار معناه : إذا أخذوا استوفوا وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا ، وهو كلام متنافر ;
__________________
١ ـ ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَـٰئِكَ يَتُوبُ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (النساء : ١٧ و ١٨)