وأوقعوا الأكل والشرب ، وذروا الإسراف ، وإذا حصلت منك رؤية هنالك.
وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله ، فيذكران نحو قوله تعالى : ﴿لا تَأْكُلُوا الرِّبا﴾ (آل عمران / ١٣٠) ، ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى﴾ (الإسراء / ٣٢) ، وقول أميرالمؤمنين عليهالسلام : «وما أصغرها في نعم الآخرة» (١). وهذا النوع إذا لم يذكر مفعوله قيل : محذوف ، نحو : ﴿ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى﴾ (الضحى / ٣) ، وقد يكون في اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره ، نحو : ﴿أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولا﴾ (الفرقان / ٤١).
بيان مكان المقدر
القياس أن يقدر الشيء في مكانه الأصلي ، لئلا يخالف الأصل من وجهين : الحذف ، ووضع الشيء في غير محله.
فيجب أن يقدر المفسر في نحو : «زيداً رأيته» مقدماً عليه ، وجوز البيانيون تقديره مؤخراً عنه ، وقالوا : لأنه يفيد الاختصاص حينئذ ، وليس كما توهموا ، وإنما يرتكب ذلك عند تعذر الأصل ، أو عند اقتضاء أمر معنوي لذلك.
فالأول : نحو : «أيهم رأيته؟» ; إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله ، ونحو : ﴿وَأَمّا ثَمُودَ فَهَدَيْناهُمْ﴾ (فصلت / ١٧) فيمن نصب ; إذ لا يلي «أما» فعل ، وقد مضى في نحو : «في الدار زيد» أن متعلق الظرف يقدر مؤخراً عن «زيد» ، لأنه في الحقيقة الخبر ، وأصل الخبر أن يتأخر عن المبتدأ ، ولكن يحتمل تقديره مقدماً لمعارضة أصل آخر ، وهو أنه عامل في الظرف ، وأصل العامل أن يتقدم على المعمول ، اللهم إلا أن
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ط ١٠٨ / ٣٢٧. والضمير من «أصغرها» عائد إلى «نعم» من «نعمك».