الثالثة : أن يكونا مختلفين تعريفاً وتنكيراً والأول هو المعرفة كـ «زيد قائم» ، وأما إن كان هو النكرة فإن لم يكن له ما يسوغ الابتداء به فهو خبر اتفاقاً ، نحو : «ذهب خاتمك» وإن كان له مسوغ فكذلك عند الجمهور وأما سيبويه فيجعله المبتدأ ، نحو : «كم مالك» و «خير منك زيد» ووجهه : أن الأصل عدم التقديم والتأخير ، وأنهما شبيهان بمعرفتين تأخر الأخص منهما ، نحو : «الفاضل أنت» ويتجه جواز الوجهين إعمالاً للدليلين ، ويشهد لابتدائية النكرة قوله تعالى : ﴿فَإنَّ حَسْبَكَ اللهُ﴾ (الأنفال / ٦٢) وقولهم : «بحسبك زيد» والباء لا تدخل في الخبر في الإيجاب ، ولخبريتها قولهم : «ما جاءت حاجتك؟» بالرفع ، والأصل : ماحاجتك ، فدخل الناسخ بعد تقدير المعرفة مبتدأ ، ولولا هذا التقدير لم يدخل ، إذ لايعمل في الاستفهام ما قبله ، وأما من نصب فالأصل : ما هي حاجتك؟ ، بمعنى أي حاجة هي حاجتك؟ ثم دخل الناسخ على الضمير فاستترفيه ، ونظيره أن تقول : «زيد هو الفاضل» وتقدر «هو» مبتدأ ثانيا لا فصلاً ولا تابعاً ، فيجوز لك حينئذ أن تدخل عليه «كان» فتقول : «زيد كان الفاضلَ».
ويجب الحكم بابتدائية المؤخر في قوله : (١)
٣٦٨ ـ بنونا بنو أبنائنا وبناتُنا
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
رعياً للمعنى ، ويضعف أن تقدر الأول مبتدأ بناء على أنه من التشبيه المعكوس للمبالغة ; لأن ذلك نادر الوقوع ، ومخالف للاُصول ، اللهم إلا أن يقتضي المقام المبالغة ، والله أعلم.
__________________
١ ـ قال الغدادي : وهذا البيت لايعرف قائله مع شهرته في كتب النحاة وغيرهم ، قال العيني : «ولم أر أحداً منهم عزاه إلى قائله» ، ورأيت في شرح الكرماني في شواهد شرح الكافية للخبيصي أنه قال : «هذا البيت قائله أبو فراس همام الفرزدق بن غالب». خزانة لأدب / ١ / ٤٤٥.