مرّ غير مرّة من أن الأُمور النفسانية مما لا واقع لها غير وجودها في النفس ، وعلم النفس بها حضوري وغير حصولي ، وما هذا شأنه كيف يقبل الشك والترديد؟ وكيف يعقل أن يشك الإنسان في أني قاطع أو لست بقاطع ، أو أني قاصد لأمر الله محضاً أو غير قاصد له ، وقاصد للرياء أو غير قاصد له وهكذا ، فالشك في القصد والداعي أمر غير معقول.
ثمّ على تقدير معقوليته فالصحيح أن يفصل في المسألة : لأن الشك في أن داعيه هو الرِّياء إن كان من جهة احتماله الرِّياء على الكيفية المتقدّمة في الصورتين الأُوليين اللّتين حكمنا ببطلان العبادة فيهما على طبق القاعدة ، وهما ما إذا أتى بالعبادة بداعي كل من الامتثال والرِّياء من غير أن يكون شيء منهما مستقلا في داعويته وإنما يكون داعياً عند انضمامه إلى الآخر ، وما إذا كان داعي الرِّياء مستقلا في داعويته وكان قصد الامتثال غير مستقل بحيث لا يقتضي إصدار العمل إلاّ إذا ضمّ إلى غيره ، فلو احتمل أن داعيه للعبادة هو مجموع قصد الامتثال والرِّياء أو أنه هو الرِّياء وقصد الامتثال تبعي غير مستقل ، فالأمر حينئذ كما أفاده في المتن ، حيث إن إتيان العبادة بالداعي القربي المستقل في داعويته شرط في صحّتها وهو غير محرز فالعبادة باطلة.
وأمّا إذا احتمل الرِّياء في غير الصورتين المذكورتين ، كما إذا علم بأن له داعياً قربياً مستقلا في داعويته ويحتمل أن يكون له أيضاً داعٍ آخر ريائي مستقل ، أو على وجه غير الاستقلال ، فلا مجال حينئذ للحكم بالبطلان بوجه ، حيث إنّ شرط صحّة العبادة وهو صدورها عن داع إلهي مستقل محرز عنده ، واحتمال أن يكون هناك داع آخر ريائي يندفع بالأصل لأنه أمر حادث مسبوق بالعدم.
وبعبارة واضحة : لا يعتبر في صحّة العبادة أن تكون خالصة من غير الداعي الإلهي المستقل ، ومن هنا لو كان الداعي الآخر المستقل أو غير المستقل أمراً آخر غير الرِّياء من قصد التبريد أو غيره لقلنا بصحّة العبادة ، لاشتمالها على شرطها وهو صدورها عن داع قربي مستقل في داعويته. فالخلوص غير معتبر ، وإنما البذرة الفاسدة بل المفسدة هو وجود الداعي الريائي المستقل أو غير المستقل ، وحيث إنها