استحباب العود والإتيان بالمشكوك فيه إلاّ أن الإجماع المتقدِّم ذكره مانع عن ذلك ولأجله تحمل الموثقة على التجاوز عن الوضوء أو على محمل آخر ، فالأخذ بالصحيحة إنما هو لأجل الإجماع لا لأنها على طبق القاعدة هذا.
ولكن هذا الكلام مما لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأن الإجماع المتقدّم ذكره إجماع مدركي وليس إجماعاً تعبديّاً كما مر ، والصحيحة وردت على طبق القاعدة لا على خلافها ، بيان ذلك : أن الضمير في الموثقة في قوله عليهالسلام : « في غيره » إما ظاهر في الرجوع إلى الوضوء وإما أنه مجمل ، لأن الوضوء أقرب إلى الضمير من كلمة « شيء » ، ومعناه أنه إذا شككت في أمر من أُمور الوضوء بعد ما خرجت عن الوضوء ودخلت في غيره من الصلاة أو غيرها فشكك ليس بشيء. فالموثقة غير منافية للصحيحة ولم تدل على عدم الاعتناء بالشك في أثناء الوضوء.
ودعوى ان كلمة « شيء » أصل و « من الوضوء » تابع لأنه جار ومجرور والضمير يرجع إلى الأصل والمتبوع لا إلى التابع ، ممّا لا أساس له في شيء من قواعد اللغة العربية ، لأن المعتبر هو الظهور العرفي ، ولا ينبغي الإشكال في أن رجوعه إلى الأقرب أظهر ولو كان تابعاً ، وعليه فلا موجب لحمل الصحيحة على الاستحباب وإنما هي على طبق القاعدة.
وأما إذا تنازلنا عنه ولم ندع ظهور الضمير في رجوعه إلى الوضوء فلا أقل من إجماله ، ومعه أيضاً لا موجب لرفع اليد عن ظهور الصحيحة لأنه حجّة ، والحجّة لا يرفع اليد عنها إلاّ بما هو أظهر منها لا بالمجمل كما لا يخفى ، بل ظهور تلك الصحيحة يرفع الإبهام والإجمال عن مرجع الضمير في الموثقة ، لما قدمناه في مباحث العموم والخصوص من أن العام إذا خصص بمنفصل مجمل ودار الأمر بين التخصيص والتخصّص كان العام بظهوره مفسِّراً لإجمال الدليل المنفصل وموجباً لحملة على التخصّص (١) ، كما إذا ورد « أكرم العلماء » ثمّ ورد منفصلاً « لا تكرم زيداً » ودار الأمر
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٢٤٢.