بقي في المقام شيء
وهو ما نسب إلى السيِّد بحر العلوم قدسسره من ذهابه في هذه الصورة أعني ما إذا علم تأريخ الوضوء وكان الحدث مجهول التأريخ إلى الحكم بالحدث دون الطّهارة على عكس الماتن قدسسره تمسّكاً بأصالة تأخّر الحادث حيث لا ندري أن الحدث هل تحقق قبل الزوال أم بعده ، فالأصل أنه حدث بعده (١).
ويدفعه أن أصالة تأخر الحادث مما لا أساس له كما نبّه عليه شيخنا الأنصاري قدسسره (٢) ، حيث إنه إن أُريد منها ما إذا علمنا بوجود شيء فعلاً وشككنا في أنه هل كان متحققاً قبل ذلك أم تحقق في هذا الزمان وكان لعدم تحققه من السابق أثر فهو وإن كان صحيحاً ، لأن ذلك الأمر الموجود بالفعل حادث مسبوق بالعدم فيستصحب عدمه المتيقن إلى هذا الزمان ونرتب عليه آثاره ، كما إذا علمنا بفسق زيد فعلاً ، وشككنا في أنه هل كان ذلك سابقاً كقبل سنتين أو أكثر حتى نحكم ببطلان الطلاق الذي قد وقع بشهادته ، أو أنه صار كذلك فعلاً ولم يكن فاسقاً سابقاً فالطلاق عنده قد وقع صحيحاً ، فنستصحب عدم فسقه إلى يومنا هذا ونحكم بصحّة الطلاق. إلاّ أن هذا غير مفيد في المقام ، لأنّ الشك في التقدّم والتأخّر بعد العلم بحدوث أمرين.
وإن أُريد منها ما إذا علمنا بحادثين وكان لتأخّر كل منهما أثر كما في المقام ، ففيه أن الحكم بتأخّر أحدهما المعيّن عن الآخر بلا مرجح ، فتتعارض أصالة تأخّر الحدث عن الطّهارة مع أصالة تأخّر الطّهارة عن الحدث. وكيف كان ، فلم يقم على حجية الأصالة المذكورة دليل ، لأنّ بناء العقلاء لم يجر على ذلك ، وأدلّة الاستصحاب إنما تشمل استصحاب العدم فيما إذا لم يكن مبتلى بالمعارض. على أنه لا يثبت عنوان الحدوث للآخر كما هو واضح ، نعم لهذا الكلام وجه بناء على حجية الأصل المثبت باستصحاب عدمه إلى زمان العلم بتحقّق الطّهارة الملازم لحدوثه بعدها.
__________________
(١) الدرة النجفية : ٢٣.
(٢) فرائد الأُصول ٢ : ٦٦٦.