لأنّه مأمور واقعاً بالتيمّم هناك بخلاف ما نحن فيه.
مبغوض والمبغوض لا يمكن التقرب به ولا يقع مصداقاً للواجب.
وأما إذا كان ناسياً فيحكم على وضوئه بالصحّة ، لأن حديث رفع النسيان حاكم على أدلّة الأحكام وموجب لارتفاعها عند النسيان ، فالوضوء حينئذ غير محرم في حق الناسي واقعاً وليس رفعه رفعاً ظاهرياً كما في « ما لا يعلمون » ، وحيث إن المفروض أنه مكلف بالوضوء لقدرته على التوضؤ بأقل ما يجزئ في غسله ، وهو كما إذا فرضنا ماءين أحدهما مضر في حقه لشدّة حرارته أو برودته والآخر غير مضر وقد توضأ ممّا يضرّه فهو مكلّف بالوضوء ، ولا مانع في الفرد المأتي به لعدم حرمته واقعاً فلا محالة تنطبق عليه الطبيعة المأمور بها ويكون الإتيان به مجزياً في مقام الامتثال. وتوهم أن حديث نفي الضرر يوجب تقييد الطبيعة المأمور بها بغير ذلك الفرد المضر ، مندفع بأن شأن قاعدة نفي الضرر هو رفع الأحكام لا إثباتها ولو مقيّدة ، ولا مورد للنفي في المقام ، حيث إن الفرد غير محكوم بحكم حتى ترفعه القاعدة ، لأنّ الحكم مترتب على الطبيعة دون الفرد. هذا كله في موارد النسيان.
وأمّا إذا كان جاهلاً بالضرر فلا يمكن الحكم بصحّة الوضوء حينئذ ، لما ذكرناه غير مرّة من أن الجهل بالحرمة والمبغوضية لا يرفع الحرمة ولا يجعل ما ليس بمقرّب مقرّباً ، وبعبارة اخرى : أن النهي في العبادة يوجب الفساد مطلقاً كان عالماً بالحرمة أم جاهلاً بها ، نعم الجهل عذر في ارتكابه الحرام ؛ وأما الصحّة فلا ، لأنه مبغوض واقعي والمبغوض لا يكون مقرّبا.
ومن جملة فروع المسألة : ما إذا كان أصل استعمال الماء مضراً في حقه ولو بأقل مما يجزئ في الوضوء ، فقد حكم في المتن ببطلان الوضوء حينئذ في صورة العلم وقال : إنه يمكن الحكم ببطلانه في صورة الجهل والنسيان أيضاً نظراً إلى أنه غير مكلف بالوضوء واقعاً وإنما هو مأمور بالتيمم ، فلو توضأ وقع وضوءه باطلاً لا محالة